بعد سحب الثقة من رئيس الوزراء الفرنسي والتعيين المتسرّع لرئيس جديد، اجتاحت، الأربعاء الفائت، شوارع المدن الفرنسية تظاهرات حاشدة، ساهم فيها ربع مليون ضد نظام ماكرون. ورفع المتظاهرون شعارات تطالب برحيل الرئيس الفرنسي، واخرى ضد سياسات التقشف الليبرالية الجديدة، وفرض ميزانية تقشف على البلاد، المثقلة بديون بلغت 3,4 تريليون يورو، على حساب الفئات المتوسطة والفقيرة من السكان.
نقلت شاشات التلفزيون أحداثا متوازية: رئيس الوزراء المقال، فرانسوا بايرو يميني ليبرالي، وهو يصافح رئيس الوزراء الجديد، سيباستيان ليكورنو، القريب من زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان في مقر الحكومة الفرنسية. وفي الجانب الاخر صور لرجال الشرطة والدرك المدججين بالسلاح وهم يحاولون منع المتظاهرين من إغلاق الطريق السريع المؤدي إلى مدينة باريس.
تحت شعار "لنحاصر كل شيء!"، حركة الحصار مثيرة للاهتمام، لا سيما أنها جديدة كليًا. فقد نشأت بشكل عفوي، دون تأثير الأطر المنظمة وتطورت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبواسطة اجتماعات مرتجلة في مختلف أنحاء البلاد. بالمقابل كانت حركة "السترات الصفر" في عامي 2018/2019 بقيادة الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى، الذين خشوا على دخلهم. ولم تكن "السترات الصفر" بمنأى عن شعارات اليمين المتطرف المعادية للأجانب. في المقابل، يبدو أن نشطاء حركة "الحصار" ينتمون بشكل أكبر إلى دوائر أكاديمية وطلبة يساريين يسعون إلى "إسقاط" النظام السياسي جذريًا. وتؤشر المشاركة الواسعة في الحركة الاحتجاجية، دعوة النقابات والأحزاب اليسارية والمبادرات المختلفة الى تعبئة واسعة للتعبير عن رفضها لسياسات حكومات ماكرون قصيرة الأجل.
لقد نشر وزير الداخلية اليميني القومي، الذي لا يزال يؤدي مهام منصبه، جيشًا قوامه 80 ألفًا من "ضباط إنفاذ القانون" المدرعين والمدججين بالسلاح في شوارع المدن الكبرى لمواجهة التظاهرات، التي اتسمت بالسلمية إلى حد كبير.
استهداف الرئيس
تستهدف الاحتجاجات رئيس الجمهورية ماكرون، الذي حل البرلمان في حزيران 2024، بشكل مفاجئ ردا على خسارة حزبه في انتخابات البرلمان الأوربي. كان ماكرون يسعى للحصول على اغلبية برلمانية، لتعزيز سياساته، لكنه خسر أغلبيته البرلمانية في الانتخابات المبكرة التي جرت أوائل تمز 2024.، واحتل تحالف اليسار المركز الأول، ما دفع الرئيس الى التجاوز على نتائج الانتخابات الديمقراطية، وتوظيف صلاحيته في تعيين رئيس الوزراء لحرمان تحالف اليسار من حقه الطبيعي. ولذلك لم تصمد الحكومتان السابقتان، واستُقبل رئيس الوزراء الجديد، بانطلاقة خريف فرنسا الساخن.
لومانتيه: الاحتجاجات بداية خريف ساخن
قالت جريدة اللومانتيه القريبة من الحزب الشيوعي الفرنسي، ان الاحتجاجات انتشرت كالنار في الهشيم في جميع أنحاء البلاد. وكان العاشر من أيلول مهمًا، واستُخدم للتعبير عن آراء الناس.
ومثل كل تلك الشرارات التي تُؤجج نيران الغضب الاجتماعي، كانت المئات من التظاهرات العفوية نوعًا ما، شاهدا على استياء واسع النطاق. وعبّرت عن رفضها القاطع لإجراءات التقشف والظلم الاجتماعي الذي يُفاقم فقر الفئات الأضعف، ويضمن رخاءً أكبر للأغنياء. لكنها أيضًا، والأهم من ذلك تُمثّل تحذيرًا صارخًا موجهًا مباشرةً إلى رئيس الجمهورية.
وفي ختام التعليق عبرت الجريدة عن أملها في أن يُمثّل العاشر من أيلول بداية مرحلة جديدة. وقد دعت النقابات العمالية إلى تظاهرات في جميع أنحاء فرنسا في الثامن عشر من الشهر ذاته. وفي نهاية هذا الأسبوع، سيظل "مهرجان اللومانتيه" كما كان دائمًا: منبرًا قويًا للآمال في عالم أكثر عدلًا.
حركة فرنسا الأبية
جان لوك ميلينشون يُحذّر وزير الداخلية من استخدام العنف ضد المحتجين. من جانبه قال وزير الداخلية، أنّ الأمر برمته لا علاقة له بحركة شعبية. وأضاف: "لقد اختطف اليسار المتطرف، من خلال نفوذ حركة فرنسا الأبية، الحركة وشوّهها".
وحثّ جان لوك ميلينشون، أتباعه على توخي الحذر: "وزير الداخلية يريد وقوع حوادث. كونوا حذرين، فهو يعشق القمع، ويريد أن تُعرض صور العنف في الأخبار".
اما زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان وحزبها فقد التزما الصمت، ربما يعود ذلك لكون الاحتجاجات يسارية، او لان رئيس الوزراء المعين يحتفظ بعلاقة جيدة معهما.
وبحلول نهاية اليوم، تم اعتقال حوالي 350 متظاهرا. وتبادل المتظاهرون والشرطة الاتهامات بالمسؤولية عن أعمال الشغب العنيفة. لكن المؤكد هو أن الكثيرين، وخاصة الشباب، استمتعوا بوقتهم لأن الاحتجاجات كانت غير تقليدية ومفعمة بالحيوية، وحتى أصغر حصار كان يمكن اعتباره نجاحًا. ويرى كثيرون أن هذه مجرد البداية. وإذا نفذت النقابات الرئيسية، وخاصة في قطاع النقل، الإضراب في 18 أيلول، فتشارك الشبيبة مدفوعة بالشعور بالقوة، إلى جانب رغبة في أن يُسمع صوت الشعب مجددًا للمعنيين في البرلمان والوزارات.