في يومي 19 – 20 شباط الحالي عقدت الدورة الأخيرة من مؤتمر ميونخ “للأمن”، بحضور 30 رئيس دولة وحكومة و80 وزيرا و600 خبير “أمني”، وبغياب كامل لروسيا الاتحادية. وكان المؤتمر دليلاً صارخًا على أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يستطيعون التعامل مع حقيقة أن وحدانية التفوق الأمريكي تسير الى نهايتها. وان نظاما عالميا متعدد الأقطاب مقبلا بقوة، وهذا ما تقاومه بلدان الناتو، وما دفعها للتوحد من جديد.

وقالت رئيسة المفوضية الأوربية اورزلا فون دير لاين في كلمتها امام المؤتمر: ان “روسيا والصين تريدان إعادة تحديد قواعد النظام العالمي الجديد”، وهددت البلدين بان “الاتحاد الأوروبي وشريكه عبر الأطلسي” سيفرضان “حزمة قوية من العقوبات الاقتصادية والمالية”، وان “حزمة شديدة من العقوبات ضد روسيا جاهزة”. 

الرد الصيني

وردّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي “نحن نواجه نظاما عالميا متغيرا”، محذرا من عودة “عقلية الحرب الباردة” وأن العقوبات الأحادية تقوض القانون الدولي. وقال: “لقد ولت الحرب الباردة منذ زمن طويل” والناتو “نتاج الحرب الباردة”، مضيفًا أنه “لا ينبغي لأي دولة أن تحاول اعادة عجلة التاريخ إلى الوراء”.

وتعمل الصين على “نوع جديد من التعاون الدولي” يقوم على أساس الأمن المشترك والشامل واحترام “قواعد عدم التدخل”. وعبر الوزير الصيني عن امله، في أن يكتسب الاتحاد الأوروبي “قدرا أكبر من الاستقلال الاستراتيجي”، ويبتعد عن “توصيف الشريك المنافس”، ويستفيد من الفرص المتنوعة للتعاون بين الصين وأوروبا”.

وحول الموضوع الرئيسي للمؤتمر، وهو الأزمة الأوكرانية، قال إنه يجب حماية “سيادة واستقلال وسلامة أراضي كل بلد”، بما في ذلك أوكرانيا. و”الالتزام الصارم باتفاقيات مينسك” ضروري لحل الأزمة.

رؤية المعسكر الغربي

قال السكرتير العام للناتو ينس ستولتنبرغ إن الناتو يتوقع هجوما شاملا من قبل الجيش الروسي على أوكرانيا المجاورة. “كل الدلائل تشير إلى أن روسيا تخطط لشن هجوم واسع النطاق على أوكرانيا”. في الوقت نفسه، قال الرئيس الأمريكي بايدن في واشنطن إن بوتين اتخذ قرارا بالفعل وأن الهجوم الروسي على أوكرانيا “وشيك”.

ووفقًا لستولتنبرغ، لا يتعلق الأمر فقط بأوكرانيا، بل يتعلق بنظام الأمن الغربي ككل. ولأول مرة، تدعو بكين الى جانب موسكو، الناتو إلى عدم قبول المزيد من الأعضاء في “محاولة للسيطرة على مصير الدول الحرة، والتمرد على القواعد الدولية وفرض نماذج حكمهم الاستبدادية على الآخرين”. و”لم يعد بإمكاننا اعتبار السلام أمرا مفروغا منه”. وجاءت كلمات وزراء الخارجية في الولايات المتحدة والمانيا، ونائبة الرئيس الأمريكي على هذا المنوال. لقد حاول ممثلو الغرب السياسيين والأمنيين اظهار وحدة الصف في مواجهة روسيا، واكد ينس ستولتنبرغ: انه إذا أراد بوتين الانقسام، فسيحصل على حلف أكثر اتحادًا. إذا أراد ناتو بعدد أقل، فسيحصل على المزيد.

ولكن يبدو أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي وأقرب حلفائه لا يفهمون بعضهم البعض، يقول الرئيس: “لقد أخبروني أن الهجوم الروسي مسألة أيام، وأسأل: متى ستدخل العقوبات على موسكو حيز التنفيذ؟” الجواب: عندما يبدأ الهجوم الروسي. يقول الرئيس الأوكراني، الذي هو على وشك الانهيار العصبي، نظرا للتهديد الروسي، “إذن هم غير مفيدين “، ويتأرجح موقفه بين “سنحمي حدودنا حتى بدون حلفاء”، و”نحن بحاجة إلى جدول زمني واضح للانضمام إلى الناتو” و”أريد التحدث مع بوتين لفهم ما يريد”.

مشكلة الغاز

لكن هناك شقوق صغيرة في وحدة الصف الغربي، التي يتم التظاهر بتماسكها، سببها. محور برلين - روما الجديد، الذي عبر عنه تصريح رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي المثير: نظرا للارتفاع الشديد في أسعار الغاز والكهرباء في إيطاليا بنسبة 450 في المائة، دعا دراغي إلى استثناء قطاع الطاقة من حزمة العقوبات التي أعدتها أوروبا في حالة الغزو. وقال “إذا أصبحوا جزءا من جهاز عقوبات الاتحاد الأوروبي، والذي نأمل ألا يكون ضروريًا، فسيكون التأثير على أسعار الغاز ملحوظًا للغاية. يجب علينا نحن الأوروبيين أن نسأل أنفسنا ما إذا كنا حقًا قادرين على فرض عقوبات على الغاز”.

وتسبب الطلب الإيطالي باضطرابات في بروكسل وأثار غضب الولايات المتحدة. ورئيس الوزراء الإيطالي هو الآن أقل رغبة من المستشار الألماني في المخاطرة بخطوط أنابيب الغاز.

وثيقة سرية: حلف الناتو تعهد بعدم التوسع شرقا

نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية وثيقة سرية، فضحت مغالطات الغرب التاريخية. الوثيقة مؤرخة في 6 آذار 1991، وكانت محفوظةً في الأرشيف الوطني البريطاني، وتؤكد الوثيقة التزام البلدان الغربية في اجتماعات (2 + 4) حينها بعدم توسع الناتو شرقا. الوثيقة تفكك ماكينة الدعاية التي طورتها حكومة بايدن، تحت عنوان “تضليل موسكو”. كان الأمر يتعلق ببولندا، وليس أوكرانيا، في ذلك الوقت، لكن الوثيقة تثبت أن اتهامات روسيا بأن توسع الناتو باتجاه الشرق يخالف الالتزامات السابقة، وأن دعوة الكرملين إلى منطقة عازلة من دول محايدة بين الاتحاد الروسي والغرب صحيحة وتستند إلى أسباب واقعية.

عرض مقالات: