اخر الاخبار

في 14 آذار الجاري التقى في العاصمة الإيطالية روما، المسؤول الأول لشؤون السياسة الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيتشي، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، جاكوب سوليفان، ان طبيعة التمثيل في الاجتماع تعكس الصعود السريع للصين، ليس كقوة اقتصادية فقط، وانما كقوة جيوسياسية عظمى أيضا. وكان من المقرر في الأصل عقد الاجتماع لإعادة تنظيم العلاقات المتوترة بين القوتين العظميين، لكن اندلاع الحرب في أوكرانيا هيمن على أجواء الاجتماع. ولأول مرة، أصبحت بكين في مركز الجهود التي تبذلها الدول الغربية لحل نزاع سياسي عالمي. لم يكن هذا هو الحال في العراق أو سوريا ولا في أفغانستان.

لقد أدّى الصعود الاقتصادي السريع للصين الى إعادة نظر أساسية في السياسة الخارجية للبلاد. وبدأ المعنيون الصينيون يهتمون بشكل متزايد بتحليلات علماء السياسة الأمريكيين بشأن السياسة الخارجية.

واستغرقت المحادثات في روما قرابة 7 ساعات. وقالت الحكومة الأمريكية في بيان عقب الاجتماع إن الجانبين أجريا “مناقشة تفصيلية للحرب الروسية ضد أوكرانيا”. ووصفت وكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا المحادثة بأنها “حوار بناء”.

بعد 30 عاما من نهاية الحرب الباردة، وتجاوز الصراع بين الشرق والغرب، وافق الناتو على تصنيف الصين وإمكاناتها السياسية والاقتصادية على أنها “تحدٍ”. ويتوقع المشككون أن التحالف العسكري الغربي، بعد أن فقد خصومه السابقين، ليس لديه خيار سوى إيجاد صور لعدو جديد، لتبرير ضرورة استمرار حلفه العسكري. ومع ذلك، فإن التعامل مع الصين يكشف بوضوح إلى أي مدى فقد الأوروبيون والأمريكيون وعيهم التاريخي. إن التشخيص الخاطئ لعالم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما بشأن “نهاية التاريخ” قد سقط على أرض خصبة للغاية. لقد واجه العالم الغربي صعود الصين الهائل إلى مرتبة القوة العالمية الثانية بمزيج من الغطرسة والاستياء. إن ديناميكية الصين، التي يصعب ترويضها، أصبحت مصدر خوف متزايد في الغرب.

قوة عظمى

وقال سوليفان قبل سفره إلى روما “إننا نراقب عن كثب في الوقت الحالي الى أي مدى تقدم الصين فعليا الى روسيا أيَّ شكل من أشكال الدعم المادي أو الاقتصادي”.

وترى الصين نفسها “قوة عظمى”، ولكن دون ادعاءات عالمية، وتركيز ثقافي على اهمية الإمبراطوريات السابقة، خصوصا مفاهيم النظام العالمي على غرار الولايات المتحدة. ومنذ حين تروج الصين لمبدأ “التوجه المزدوج” كنموذج مضاد للمطالبة الغربية بقيادة العالم. وتطالب بالمشاركة، وليس احتكار الهيمنة. ونشرت الصين في العام الفائت ورقة استراتيجية بعنوان “معايير الصين العالمية 2035”، توضح اتجاهات السياسة الخارجية والدفاعية الجديدة للصين، وفقا لها تعتبر مرحلة المواءمة الدبلوماسية الأولية والتكيف مع اللوائح الحالية قد اكتملت، وتلعب الصين الآن دورا نشطا بشكل متزايد، في رسم السياسة العالمية، كـ “صانع للقواعد” بدلاً من “متلقي للقواعد”.

وفي ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا والعلاقات بين موسكو وبكين، فإن هذا لا يعني ظهور “كتلة شرقية عملاقة” جديدة، كما علقت وسائل اعلام غربية بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبكين في شباط الفائت. وفقا للرؤية الصينية، يعني هذا أن قوة الغرب تتآكل ومعها النظام السياسي العالمي للعقود الثلاثة الماضية، والتي صاغ عالم السياسة الأمريكي فوكوياما في بدايته تكهنه الخاطئ بشأن “نهاية التاريخ”.

وتستفيد الصين من الوضع الجيوسياسي المختلط الحالي. وتشعر بكين بصحة تحليلها للوضع السياسي العالمي، والذي جرت ـ منذ انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان في آب الفائت ـ مراجعته وتعديله باستمرار. ويتضح ذلك من خلال حقيقة أن بكين لا تنوي الخضوع للرواية الغربية بشأن الحرب أوكرانيا، ولهذا تشير الصين بانتظام إلى توسع الناتو شرقا، باعتباره سبب اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في بكين، في إشارة إلى حلف شمال الأطلسي، إن مفتاح حل النزاع في أيديهم. وفي الفترة التي سبقت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الدولة الصيني شي جين بينغ، تصاعدت شدة التراشق الاعلامي بين القوتين العظميين. واكد الحوار المباشر الأول بين رئيسي الدولتين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، حقيقة الصعود الجيوسياسي للصين خلال الحرب في أوكرانيا، فلم يسبق أن احتاجت واشنطن بهذه السعة لدور الصين لحل  نزاع من هذا النوع.

عرض مقالات: