اخر الاخبار

يبدو أن تشتت قوى اليسار خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت أخيرا في فرنسا، وضياع فرصة كانت ممكنة لخوض مرشح يساري جولتها الثانية، ومخاطر صعود اليمين المتطرف التي عبر عنها حصول زعيمة التجمع القومي ماري لوبان، على الرغم من خسارتها الجولة الثانية على 41,46 في المائة، هي أفضل نتيجة حققها اليمين المتطرف في فرنسا منذ التحرير عام 1945. وبزيادة قدرها 7.56 في المائة مقارنة بالانتخابات الرئاسية عام 2017. وكذلك القناعة الراسخة بضرورة طرح بديل يساري لسياسات الليبرالية الجديدة التي يتمسك بها الرئيس ماكرون بشدة، دفعت قوى اليسار الفرنسي الرئيسة إلى الاتفاق على تحالف، وصفته حتى وسائل الاعلام التقليدية بالتاريخي، لخوض الانتخابات البرلمانية العامة التي ستشهدها البلاد يومي 12 و9 حزيران المقبل على التوالي.

لقد حصل جان لوك ميلنشون زعيم حركة فرنسا الأبية اليسارية، في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسية على 21,95  في المائة، وكان قريبا جدا من خوض جولة الانتخابات الثانية. هذه الحقيقة الملموسة دفعت بخطيب اليسار المميز إلى صدارة معسكر اليسار، وفرض على قوى اليسار الأخرى التعامل معه، على الرغم من الملاحظات الجدية السابقة لدى كثيرين في معسكر اليسار على شعبوية الرجل، وسعيه لألحاق الجميع بمركبه، وهو أمر رفضه الشيوعيون والخضر، انطلاقا من الحفاظ على الاستقلالية التنظيمية والسياسية للحزبين.

فرض بديل يساري

لقد بادر ميلنشون لطرح مشروع تحالف جامع لسلب الأكثرية البرلمانية التي تمتع بها حزب الرئيس في الانتخابات البرلمانية السابقة، وتحقيق أكثرية يسارية تقوده لرئاسة الوزراء، وفرض ثنائية القطب في السلطة التنفيذية الفرنسية، وهو أمر عاشه الفرنسيون في دورات برلمانية سابقة. وحكومة اليسار المرجوة ستتبنى سياسات بديلة، وتعيق الكثير من مشاريع رئيس الجمهورية في دورته الرئاسية الثانية.

وقال ميلينشون في تصريحات: “أطلب من الفرنسيين أن ينتخبوني رئيسا للوزراء” و “أتمنى أن يتحقق ذلك عبر بناء جبهة شعبية تشارك فيها النقابات والحركات الاجتماعية”. وأكد على الأهداف السياسية والاجتماعية المشتركة لقوى اليسار مثل التقاعد في سن 60 عاما، زيادة في الحد الأدنى القانوني للأجور وزيادة القوة الشرائية للسكان من خلال زيادة الأجور ومعاشات تقاعدية أعلى، وتدابير لمكافحة تغير المناخ، إلخ

مفاوضات صعبة

بعد انتخابات نيسان الفائت الرئاسية، بدأ نقاش مكثف بين قوى اليسار الفرنسي حول إمكانية الاتفاق على تحالفات انتخابية يسارية. وفي هذا السياق أرسل جان لوك ميلينشون دعوات إلى حزب الخضر والحزب الشيوعي وحزب المناهضين للرأسمالية، واستثنى في البداية الحزب الاشتراكي لإجراء مفاوضات بشأن الهدف المعلن. لقد كانت استجابة الحزب الشيوعي الفرنسي وحزب الخضر سريعة وإيجابية. وبعد حوارات طويلة، انضم الحزب الاشتراكي إلى التحالف الجديد الذي حمل اسم “لاتحاد الشعبي الإيكولوجي الاجتماعي الجديد” في تذكير واضح بالجبهة الشعبية التي عرفها تاريخ اليسار الفرنسي.

وقال الحزب الاشتراكي وحركة فرنسا الأبية في بيان مشترك “نريد انتخاب نواب في غالبية الدوائر الانتخابية لمنع إيمانويل ماكرون من المضي قدما في سياساته الظالمة والوحشية وإنزال الهزيمة باليمين المتطرف”.

وقالت مانون أوبري، عضو البرلمان الأوروبي عن حركة فرنسا الأبية إن المفاوضات كانت “تاريخية”، ووفرت لكل طرف استقلالية ضمن “إطار سياسة مشتركة”. وفيما يتعلق بتوزيع المقاعد ستكون حصة الخضر قرابة 100 دائرة انتخابية و70 للحزب الاشتراكي و50 للحزب الشيوعي.

فرص اليسار

ومنذ التفكير بمشروع اليسار الانتخابي المشترك، توصل خبراء الانتخابات إلى نتيجة مفادها أنه بناءً على نسبة الأصوات التي تم تحقيقها في الانتخابات الرئاسية، يمكن للأحزاب اليسارية الفوز بأكثر من 150 دائرة انتخابية (بدلاً من 63 دائرة انتخابية لديها حاليًا: 30 الحزب الاشتراكي، 17 لحركة فرنسا الأبية، 16 للشيوعيين وشركائهم.  ومع زيادة عدد مقاعد الجمعية الوطنية الفرنسية في الدورة المقبلة ستتوفر إمكانية أفضل لتعزيز قوى اليسار من خلال سياسة الجبهة الموحدة، وبالتالي فان تحقيق اغلبية يسارية لم يعد أمرا صعب المنال.

رؤية الشيوعي الفرنسي

وتعليقا على التحالف الجديد قال فابيان روسيل، زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي “لا يمكن لأحد من اليسار أن يفوز بمفرده”، مشيرا إلى أن التحالف الجديد بحاجة إلى أن يبنى على “الأمل الهائل بين الجمهور الفرنسي وبين العمال وبين الشباب الذين يطالبوننا بأن نتحد”.

وقبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية، طرح السكرتير الوطني للشيوعي الفرنسي، فابيان روسيل، مقترح تحالف انتخابي لجميع الأحزاب اليسارية في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأكد فابيان روسيل في اقتراحه مبدأ المساواة والاحترام المتبادل لجميع المعنيين. وفق اقتراحه، يتعين على أعضاء البرلمان من جميع الأحزاب اليسارية الذين تم انتخابهم بالفعل لعضوية الجمعية الوطنية أن يترشحوا لإعادة انتخابهم دون منافسة يسارية. بالنسبة للدوائر الانتخابية المتبقية، يجب أن تؤخذ الأصوات التي تم الحصول عليها في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية كأساس.

وعبر رموز الجناح اليميني في الحزب الاشتراكي مثل الرئيس الفرنسي الأسبق هولاند، والوزير السابق ستيفان لو، عن معارضتهم للتحالف الجديد، بحجة ان ذلك ينهي أي دور مستقبلي للحزب الاشتراكي وقال إنه “يرفض الاتفاق في جوهره وبما يتعلق بالدوائر”. أما رئيس الوزراء السابق برنار كازنوف فقال إنه سينفذ تهديده بترك الحزب الاشتراكي في حالة التوصل إلى اتفاق مع اليسار المتطرف.

عرض مقالات: