تتواصل الحرب بين القوات الروسية وقوات حكومة كييف المدعومة من الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي، للشهر الخامس على التوالي، محدثة خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات والبنى التحتية، الى جانب ما تركته من أثار سلبية خطيرة على الأمن الغذائي وإمدادات الطاقة والسلام العالمي. ولم تجر حتى الأن مساع جدية لوقف هذه المأساة، حيث يريد الغرب إستخدام الشعب الأوكراني، حتى أخر فرد فيه، لإضعاف الدب الروسي، فيما تستفيد المجمعات العسكرية الصناعية من إيراد الأسلحة والمعدات بمليارات الدولارات الى ساحة القتال، مقابل تعنت موسكو في مواقفها، بذريعة مخاوفها الجادة على أمنها القومي، إذا ما تمكن حلف الناتو من الهيمنة على أوكرانيا وصارت صواريخه على مرمى حجر من أراضيها.

الأمن الغذائي

لقد سببت الحرب منذ إندلاعها في 24 شباط الماضي، نقصاً كبيراً في إمدادات الغذاء وخاصة القمح، حيث يعد البلدان المتصارعان، أكبر الدول المنتجة له. فقد زاد سعر القمح من 300 دولار الى أكثر من 450 دولار، وهو ما يمثل أعلى زيادة منذ عقود من السنين، حسب منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، التي أشارت الى أن الإنتاج العالمي للقمح قد بلغ 790 مليون طن، وإن أوكرانيا تصدر للعالم ما يقارب 22 مليون طن، أي ما نسبته 74 في المائة من إنتاجها، ويعتمد 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على ذلك في طعامهم. كما يمثل التصدير الروسي للقمح 18 في المائة عالمياً، وبهذا يهيمن البلدان على ثلث التصدير العالمي للقمح.

ويتوقع المراقبون حدوث مجاعات تهدد حياة 1.7 مليار إنسان في الدول الفقيرة المستوردة للغذاء، لاسيما مع عزوف المنتجين عن تصدير ما لديهم من فائض. وتأتي 45 دولة أفريقية في مقدمة هذه الدول المهددة، حيث تعتمد اريتيريا والصومال وموريتانيا وتنزانيا بشكل تام على القمح الروسي والأوكراني. ولا تقتصر هذه المخاوف على أفريقيا الفقيرة فحسب، إذ قرر الإتحاد الأوربي إلزام أعضائه بتخصيص 4 في المائة من أراضيها الصالحة للأنتاج الزراعي. كما يتوقع أن يّحد الأوربيون من التصدير ويعتمدوا سياسة التخزين، إذا ما تواصلت الحرب في أوكرانيا، مقتدين بالهند (90 مليون طن) وبالصين (130 مليون طن) اللتين خصصتا كل إنتاجهما للإستهلاك المحلي.

المزيد من وقود الحرب

ما إن أندفعت القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية، حتى أعلنت جميع دول الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة، عن تخصيص مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب في بلدانها "لمساعدة" أوكرانيا. غير أن قسما قليلاً من هذه الأموال يتم صرفه في مجال الخدمات الإنسانية، الصحية والتعليمية ومساعدة النازحين وتوفير الطعام، ويذهب القسم الأبرز منها لتغطية تكاليف الأمدادات العسكرية لقوات كييف، مدرّة بالمليارات على المجمعات الصناعية العسكرية، ومُخلية مخازنها من الأسلحة المكدسة، وذلك لأعادة إنتاج أدوات القتل وتكديسها لحروب جديدة.

وتشير الأرقام الى حصول أوكرانيا على أغلب ما أرادت من تسليح ومعدات، مثل 1000 مدفع هاوتزر بعيد المدى، و500 دبابة من نوع (م ل ر س 300) والعديد من أنظمة الصواريخ التي يمكنها إطلاق صواريخ متعددة منها في وقت واحد و2000 مركبة مدرعة و1000 طائرة بدون طيار و روبوتات بعيدة المدى يمكنها أيضًا الوصول إلى أهداف في روسيا. وكمثال على أسعار هذه الأسلحة، نذكر بأن سعر نظام الصواريخ المتنقلة (جي اي ام اي ار اس) الواحد يصل الى 5 مليون دولار.

هل من نهاية

لقد أجبرت الحرب منذ إندلاعها أكثر من 60 في المائة من أطفال أوكرانيا على الفرار من منازلهم، فيما تعرض الإقتصاد الأوكراني الى حالة خراب شامل، ستبقى أثاره الكارثية متواصلة لعقود قادمة. ولم تسلم روسيا من الأثار المعقدة للحرب، رغم تمكنها كدولة عظمى، من مواجهة تلك الأثار حتى الساعة.

وتؤكد الحرب هذه مرة اخرى على صحة الرأي الذي يجعل الأمبريالية والحرب صنوان، إذ تسعى واشنطن وحلفاؤها الى فرض سيطرتهما على العالم بالقوة، وإبقائه أسير قطب واحد، دون إعتبار للمخاطر التي تهدد مستقبل البشرية، وإصرارها على الربح المتواصل عبر برامج تسليح وإنتاج أسلحة لا نهاية لها. وفي المقابل، لا تعير الأمبريالية الروسية، التي تريد لها موقعاً في الهيمنة على العالم، أية أهمية لمخاطر الدمار البشري وأزمات الغذاء والطاقة، قدر إهتمامها بمصالحها.

كما تعيد الحرب تعزيز قناعة الشيوعيين واليساريين بأن صراعات الأمبرياليين وما تولدها من قلق وجوع وقمع وارهاب، لن تختفي الا بكنس الأنظمة الرأسمالية، فلا حل الا بالأشتراكية التي لم تعد حاجة للبشرية بل ضرورة مطلقة.

عرض مقالات: