الأسلاك الشائكة بدلاً من الأمن والرعاية. لقرابة 24 عاما عمل الاتحاد الأوروبي على نظام اللجوء الأوروبي المشترك، وجاءت الخاتمة محزنة مساء 8 حزيران الحالي حيث صوت وزراء داخلية الدول الأعضاء على تقويض حق اللجوء أوربا.

لتحويل أوربا إلى قلعة محصنة في مواجهة طالبي اللجوء، سيتم احتجازهم في المستقبل أثناء إجراءات اللجوء الخاصة بهم في معسكرات على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي أو فيما يسمى بالدول الثالثة، بحيث لا يدخل الذين فرصة قبول لجوئهم ضئيلة بلدان الاتحاد الأوروبي. وسيتم بناء “مراكز لجوء” في المناطق الحدودية، وتجري عمليات الترحيل مباشرة. وسيتم رفض القادمين عبر دولة ثالثة يفترض أنها آمنة. ويمكن أيضًا حرمان الأطفال من حريتهم لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر. ولا يتم تقديم المشورة الكافية بشأن اللجوء أو المساعدة القانونية، ويجب تنفيذ إجراءات اللجوء بسرعة ويمكِّن الإقامة في “بلدان ثالثة”، وتقوم دول الاتحاد الأوروبي بإبرام اتفاقيات مماثلة لتلك المبرمة بين بريطانيا ورواندا من أجل التهرب من حماية اللاجئين، ولا يتم ضمان “التوزيع العادل” لطالبي اللجوء. وتظل دول الاستقبال الأول مثل اليونان أو إيطاليا أو إسبانيا مسؤولة عن استقبال اللاجئين وإقامتهم، وبالتالي فهي غير مهتمة بالتعامل مع محتوى طلبات اللجوء في الحالات الفردية، وتتزايد الحوافز للقيام بعمليات طرد غير قانونية على الحدود.

وكانت ردود فعل دول الاتحاد الأوروبي متباينة، فبينما رحبت إيطاليا بالتغييرات، ترفض بولندا والمجر الآلية الخاصة بالتوزيع والقبول الإلزامي للاجئين معترف بلجوئهم.  في حين كانت ردود فعل المنظمات المدافعة عن اللاجئين واضحة. قال طارق العوس المتحدث باسم سياسة اللاجئين في منظمة “بروأزيل” (أنصار اللاجئين) يوم الجمعة: إن “قرارات الإجراءات الحدودية الإلزامية في ظل ظروف شبيهة بالاحتجاز والمعايير المخففة بدول ثالثة آمنة هي هجوم مباشر على حق اللجوء وخطأ تاريخي”. وأضاف أن “الحكومة الألمانية تدعم الاتفاقية، بأي ثمن حقوقي، وتحتفل وزارة الداخلية الاتحادية بهذا الاتفاق باعتباره نجاحا تاريخيا”.

وتعليقا على الاتفاق قالت جانين فيسلر، الرئيسة المشاركة لحزب اليسار الألماني، إن القرار “يعد نجاحًا لقوى اليمين في جميع أنحاء أوروبا وسيستمر في تقويتها. كان ينبغي للمرء أن يتعلم هذا الدرس من الجدل حول تسوية اللجوء في عام 1993 وموجة العنف اليميني التي سادت المانيا في ذلك الوقت. وقال راسموس أندرسن المتحدث باسم حزب الخضر في البرلمان الأوروبي: “من المخجل أن توافق وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيسر، والائتلاف الحاكم، على هذا الاقتراح. ويأتي هذا التصريح ليعكس تقاطعا في مواقف قيادي حزب الخضر المشارك في التحالف الحاكم في المانيا.

ما حقيقة الاتفاق؟

في بداية أيلول 2020، قدمت مفوضية الاتحاد الأوروبي، برئاسة أورسولا فون دير لاين، “ميثاق الهجرة واللجوء”. جوهره: المزيد من ترسيخ عزل أوروبا وفق إطار قانوني. إن ما يسمى بالإجراءات الحدودية التي وافق عليها وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي الآن هي جوهر “الميثاق”. هذا يعني أن جميع اللاجئين الذين تمكنوا من الوصول إلى أحد الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في ظل ظروف صعبة للغاية يتم احتجازهم أولاً في المخيمات. هناك يجب التحقق من إمكانية حصولهم على إجراءات اللجوء العادية من عدمها. وهنا لا ينبغي الخلط بين هذا الإجراء، وبين إجراءات اللجوء الطبيعية، حيث يمكن للمتقدمين شرح أسباب فرارهم في جلسة استماع شخصية، وهذا مبدأ أساسي من مبادئ الحق في اللجوء.

يكفي إبعاد اللاجئ في حال قدومه من بلد مصنف افتراضيا على أنه آمن، او إذا وصل عبر دولة ثالثة يفترض انها “آمنة”. لا تجري هنا دراسة الأسباب الشخصية لتقديم طلب اللجوء على سبيل المثال ما إذا كان شخص ما قد فر من نظام طالبان في أفغانستان أو من التعذيب في تركيا او بلدان مماثلة، فإن السؤال الوحيد هو ما إذا كان يمكن للشخص أن يعيش بأمان في بلد العبور. وقد أصبحت المعايير المعتمدة، التي تعتبر الدولة “دولة ثالثة آمنة” متدنية جدًا وشكلية.

وبذلك ستحرم الغالبية العظمى من الوافدين من فرصة الخضوع لإجراءات اللجوء العادية.  ان ما حدث في عام 1993 عبر إقرار ما يسمى بتسوية اللجوء في ألمانيا، يجري الآن تعميمه على بلدان الاتحاد الأوربي، أي الغاء الحق الفردي في تقديم طلب اللجوء، بالاستناد إلى قواعد عامة موضوعة لتحقيق هذا الغرض.

إن العواقب الكارثية لهذه السياسة واضحة بالفعل على أساس الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والذي يعد نموذجًا. يُحتجز اللاجئون من سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان وبنغلاديش والصومال الذين يصلون إلى الجزر اليونانية في معسكرات تشبه السجون هناك. يمكن بالفعل ترحيلهم إلى تركيا دون دراسة طلباتهم، على الرغم من أن قيام حكومة اردوغان الإسلامية بترحيل هؤلاء بشكل منهجي إلى مناطق الحرب والأزمات مثل سوريا وأفغانستان.

عرض مقالات: