مرت يوم أمس الذكرى الخمسون للانقلاب الفاشي الذي أطاح بالرئيس التشيلي المنتخب سيلفادور الليندي وحكومته الوطنية اليسارية، وأطبق بقبضة إرهابية على البلاد لسنين طويلة، أُرتُكب خلالها العديد من المجازر، قبل أن يتمّكن الشعب التشيلي من إنهاء الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي، يسعى لتحقيق التنمية وشيء من العدالة الاجتماعية.

كيف بدأت القصة؟

تقع جمهورية تشيلي في جنوب غرب أمريكا اللاتينية، بساحل طوله 5000 كم، يطل على المحيط الهاديء. ويسكن مساحتها البالغة 756 ألف كم مربع، حوالي 20 مليون نسمة. وكانت البلاد قد تحررت من الإستعمار الإسباني في العام 1818 لتقع تحت النفوذ البريطاني، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حين خضعت للنفوذ الأمريكي.

لقد شهدت تشيلي منذ أوائل القرن الماضي، استقطاباً طبقياً حاداً بين تحالف من الأوليغارشية المتمثلة بكبار ملاك الأراضي (كان 3 في المائة يملكون 90 في المائة من الأرض الزراعية)، والمصرفيين والبيروقراطية العسكرية وأقسام من البرجوازية التابعة، وبين الفلاحين المعدمين والطبقة العاملة، التي نمت بسرعة كبيرة في الموانيء ومناجم النترات والحديد والنحاس، تلك التي سيطرت عليها الشركات الأمريكية منذ مطلع القرن العشرين، ونهبت مواردها بشكل شبه تام. وأسفرت نضالات الشعب عن نجاحات مختلفة، بطليعة عمالية، حسنة التنظيم، وبقيادة الحزب الشيوعي التشيلي، الذي تأسس عام 1912 واتخذ اسمه الحالي بعد ذلك بعشر سنوات، إلى جانب أحزاب يسارية أخرى، أهمها الحزب الاشتراكي.

وتحقق أول انتصار لقوى اليسار في انتخابات 1932، التي أسقطها انقلاب عسكري بقيادة الزعيم اليميني المعروف اليساندري. وعاودت هذه القوى الفوز في انتخابات 1938، بعد أن توحّدت في تحالف اسمته الجبهة الشعبية. كما كاد الزعيم الإشتراكي سلفادور الليندي، أن يفوز بالرئاسة في انتخابات 1958 ممثلاً لجبهة العمل الشعبية. ومع تواصل الكفاح المطلبي والسياسي واشتداد الاستقطاب الطبقي، ولدت جبهة الوحدة الشعبية، من تحالف الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي وأربعة أحزاب يسارية اخرى، وحققت أغلبية في إنتخابات 4 أيلول 1970، كما حصل مرشحها الليندي على أعلى الأصوات، ودخل قصر الرئاسة.

تغيير شامل ولكن!

وانهمكت حكومة الوحدة الشعبية بانجاز برنامجها الذي أسمته (خطة الإنقاذ) فرفعت الأجور بنسبة 40 – 60 في المائة وأممت القطاعات الإنتاجية الرئيسية كالنسيج والصناعات الغذائية وكذلك مناجم النحاس والفحم والنترات وشركة الاتصالات، والتي كانت محتكرة من قبل الشركات الأمريكية، وشرعت قانون التعليم المجاني والتغذية المدرسية وطبقت خطة للإصلاح التربوي، ووضعت حداً أقصى لأسعار الأغذية والمواد الأساسية والإيجارات. كما وسعت من إجراءات الإصلاح الزراعي، فصادرت الملكيات الزراعية من أيدي الملاك، وشكلت المجالس الفلاحية. وكان إطلاقها للحريات النقابية مهماً لزيادة عدد المجالس العمالية في المصانع والأحياء وفي مجالس إدارة الشركات وفي الجمعيات الشعبية كالمختصة بالتموين والتسويق وغيرها (كانت مجالس الإدارة مكونة من 80 في المائة من عمال منتخبين ديمقراطيًا و20 في المائة من ممثلي الحكومة) (1).

الردة

وأدّت كل هذه الاصلاحات التقدمية إلى تغيير عميق داخل المجتمع، حيث أيدت الاغلبية الساحقة من العمال والفلاحين الفقراء وقطاعات واسعة من الطبقة الوسطى واعداد متزايدة من صغار الضباط وضباط الصف والجنود، تحالف الوحدة الشعبية، وهو ما تجلى بفوزها في الانتخابات المحلية التي جرت في أوائل 1971. وكان بديهياً أن يشتد الصراع الطبقي، ويتحرك تحالف قوى اليمين ممثلا بالحزب الديمقراطي المسيحي واقطاب الاوليغارشية المهزومة، ضد الحكومة. 

وراح هذا التحالف الرجعي ينفذ خططه، في تخريب الاقتصاد واحتكار الغذاء والمواد المعيشية الاساسية، ويشن حملات دعائية وتشويهية واسعة ضد الحكومة، عبر وسائل الإعلام التي يمتلكها. وشُكلت ميليشات فاشية، راحت تدور في البلاد، وتستفّز النقابات والأحزاب اليسارية والجمعيات الشعبية وتنشر الرعب بين السكان. كما تعاون هذا التحالف مع أسياده في واشنطن التي قطعت كل المساعدات عن تشيلي ونظمت مقاطعة عالمية للنحاس المؤمم، مما سبّب ارتفاعاً في التضخم، وأضراراً في مستوى معيشة الناس وخاصة الفئات المتوسطة. وبدل أن تقوم الحكومة بالإستفادة من الزخم الشعبي المؤيد لها، وتدعو لإنتخابات مبكرة، تحقق هيمنتها على المؤسسات الدستورية وتمكنها من مواجهة كل هذا التأمر، قامت بالمزيد من المهادنة وأجرت تعديلاً وزارياً، أدخلت فيه جنرالات من الجيش إلى صفوفها.

ورفضت القاعدة الشعبية هذه المرونة غير المبررة تجاه قوى اليمين، رغم انها أظهرت تماسكاً كبيراً في الدفاع عن الحكومة، وهو ما تجلى في تصديها الأعزل لمحاولة الإنقلاب الذي دبره سلاح المدرعات في 29 حزيران 1973، ودفاع الجماهير عن المصانع وحمايتها لإماكن العمل وتسييرها للمؤسسات الحكومية، قبل أن تجبرها الحكومة بالقوة على العودة إلى البيوت، ضمن سياسة التهدئة التي تبنتها. وقبل أسبوع فقط من الإنقلاب الفاشي، جرت في جميع أرجاء البلاد تجمعات ضخمة لدعم الحكومة، حتى بلغ عدد العمال المسلحين بالعصي 800،000 شخص في سانتياغو، يهتفون لليندي وحكومته. وفي يوم 9 ايلول، دعا الأمين العام للحزب الاشتراكي، كارلوس ألتاميرانو، الرئيس إلى المواجهة وتسليح الشعب فرفض ذلك، وقرر إجراء استفتاء، كانت واضحة نتائجه لصالح الوحدة الشعبية، مما أرعب اليمين، ودفعه للقيام بانقلاب عسكري دموي، لم يسبق له مثيل في امريكا اللاتينية، بقيادة الجنرال الفاشي اوغستينو بينوشيه (2).

“أمريكا لأمريكا”

عبّرت هذه الدعوة التي أطلقها الشاعر محمود درويش في قصيدته (مديح الظل العالي) عن مشاعر الملايين ممن تمنّوا للإمبريالية الأمريكية خراباً يعادل ما سببته من خراب للبشرية، ومنهم الشعب التشيلي الذي لم ينجو من عدوانها. فقبل أيام رفعت وزارة الخارجية الأميركية السرية عن المزيد من الوثائق حول الانقلاب العسكري في تشيلي عام 1973 ومقتل أول رئيس منتخب في تاريخ أميركا اللاتينية. وكشفت الوثائق عن إطلاع الرئيس الأمريكي حينها، بطل فضيحة ووترغيت، ريتشارد نيكسون، على خطة الاستيلاء العسكري الوشيك على الحكم في تشيلي.

كما كشفت الوثائق بأنه ومنذ ايلول عام 1970 أخبر نيكسون مساعديه بأن وجود حكومة تشيلية برئاسة سلفادور الليندي أمر غير مقبول، ورصد مبلغ 10 ملاين دولار لمنع حدوث ذلك. وقد سارعت لجنة الأربعين برئاسة كيسنجر وبالتعاون مع المخابرات المركزية إلى العمل لإعاقة تنصيب الليندي رئيسا من خلال خطتين سريتين: الأولى المسار 1 وتعتمد على المناورات البرلمانية لإبعاد الليندي والثانية المسار 2 وتعنى بدفع بعض القيادات العسكرية في الجيش التشيلى للقيام بانقلاب عسكرى (3). ولما حقق المسار الأول بعض اهدافه في اتفاق الرئيس الليندي مع اليمين على الإلتزام بوثيقة دستورية، منعته من تطهير أجهزة الدولة والقوات المسلحة من اتباع الأوليغارشية وأزلام الشركات الإحتكارية، تم تأجيل المسار الثاني لبعض الوقت. كما كانت ادارة كلينتون قد اعترفت بقيام واشنطن بلعب دور غير مباشر في تمويل الاضراب الذي قام به سائقو الشاحنات والذي تفاقم ليخلق وضعا اقتصاديا فوضويا، مباشرة قبل القيام بالانقلاب العسكري (4).

وكشفت إحدى الوثائق التي أُفرج عنها، أنه في صباح يوم الانقلاب العسكري، أبلغت وكالة الاستخبارات المركزية الرئيس نيكسون أن ضباط الجيش التشيلي “مصممون على استعادة النظام السياسي والاقتصادي”.

ورغم أن أغلب الملخصات الاستخبارية اليومية المتعلقة بالإنقلاب، والتي كانت تقدم للرئيس، قد فقدت، بفعل فاعل كما يبدو، فإن الخدمات التي قدمها الانقلابيون لواشنطن وسياساتها وشركاتها، أصدق دليل على دورها في اسقاط الليندي وحكومة الوحدة الشعبية، وعلى مسؤوليتها التاريخية عن كل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان خلال حكم بينوشيه، ومنها اعدام وتعذيب وسجن أكثر من 40 ألف إنسان وتشريد عشرات الالاف الأخرين.

كما إن نيكسون وتابعه كيسنجر، الذي اعترف بدم بارد بأن حكومته انحازت للاقتصاد حين خيّرت بينه وبين الديمقراطية، يتحملان المسؤولية القانونية والاخلاقية عن تدمير أكثر الأنظمة ديمقراطية واستقراراً في أمريكا اللاتينية، وعن استبداله بنظام حلّ البرلمان وأسس جهازاً للأمن السرّي وفرض ادارات عسكرية على الجامعات وحظر الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، ومنع الاستماع حتى للموسيقى!

دور الشركات الاحتكارية

لعبت الشركات الأمريكية المسيطرة على ثروات تشيلي حينها، دوراً كبيراً في اسقاط حكومة الوحدة الشعبية. وكان من أكثر هذه الشركات نفوذاً شركةAnaconda Coppar وشركة Cinokota العاملتان في مجال النحاس، والتي قاربت قيمة استثماراتهما المليار دولار، وشركة ITT العاملة في مجال الاتصالات، والتي بلغت استثماراتها 200 مليون دولار.

كانت شركة ITT تاسع أكبر شركة في العالم، وتتمتع بدور مهم جدًا في المجمع الصناعي العسكري، وتضم في ادارتها مديراً سابقاً لوكالة الاستخبارات المركزية ورئيساً سابقاً للبنك الدولي. ولم يكن التلفون منتوجها الوحيد، فقد استخدمت صور الثوار الفيتناميين ورفاق جيفارا في بوليفيا، في ملصقها الدعائي للنواظير الليلية، التي تكشف عن هؤلاء لمن يطاردونهم من ذوي الشعر الأصفر. واهتمت ايضا بإنتاج الأغذية، حتى شنت قوى يسارية حملة فضح لها، تضمنت شعاراً يدعو إلى مقاطعتها بالقول (شراء الخبز من ITT يعني مزيداً من القنابل فوق فيتنام، انها مركز الإمبريالية والخيانة والإرهاب، وليست مركزاً للبرق والهاتف).

لم تكن ITT شركة نموذجية متعددة الجنسيات فحسب، بل كيانًا مستقلاً له سياسته الخارجية الخاصة وجهازه الأمني وموظفوه السياسيون، وتمثل تماماً الهيمنة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية للولايات المتحدة، حيث لعبت هذه الشركة كما هو معروف دوراً مهماً في طرد الهيمنة البريطانية على اقتصاد دول أمريكا اللاتينية وحلت، من بين شركات أمريكية اخرى، محلها. ثم راحت تستخدم اتصالاتها في واشنطن وتقدم نشاطها كجزء من الصراع بين الشيوعية والرأسمالية في سياق الحرب الباردة. وكان أول رجل يتصدى لنشاط هذه الشركة المحامي فيدل كاسترو، الذي كسب قضية قضائية ضدها قبل أن تندلع الثورة، ثم سارع ورفاقه لتأميم نشاطها في كوبا بعد الإنتصار.

وبحلول أواخر الستينيات، أصبحت شركة ITT عبارة عن تكتل تجاري، يعيد استثمار أرباح المبيعات في أمريكا اللاتينية في شراء شركات التأمين والفنادق وشركات تأجير السيارات، وكانت تمتلك أيضاً شبكات الهاتف الموجودة في تشيلي.

وقد كشفت الوثائق بأن الشركة لعبت دوراً مؤثراً في منع فوز الليندي في انتخابات 1964، لكنها فشلت معه في انتخابات 1970، رغم قيامها بتمويل حملة منافسه اليسندري، بمبلغ 700 ألف دولار امريكي، وقيامها بعرض مبلغ مليون دولار على المخابرات الإمريكية للمساهمة في منع الليندي من الفوز. وحين قامت حكومة الليندي بتأميم فرعها في تشيلي، ومنح المهندسين المحليين سلطة اتخاذ القرارات التجارية الرئيسية ومد خطوط الهاتف إلى المناطق الفقيرة، اتصلت بها وكالة المخابرات المركزية وناقشتها عن الكيفية التي يمكن بها للشركة المساعدة في ممارسة الضغط على تشيلي لجعل اقتصادها يصرخ، كما عبر عن ذلك نيكسون حينها، فاقترحت في ردها 18 طريقة لزعزعة استقرار حكومة الليندي خلال الأشهر الستة التي اعقبت فوزه، كما مولت صحيفة (الزئبق) المعارضة له. وإضافة إلى استعادة نفوذها الاقتصادي والسياسي في تشيلي بعد الإنقلاب، فقد دفع لها بينوشيه تعويضاً بمبلغ 150 مليون دولار، عن خسارتها من تأميم الليندي لنشاطها في البلاد!

ضحايا مبدعون

فيكتور جارا

بعد أربعة ايام من الإنقلاب، أخترقت اربع وأربعون طلقة جسد فكتور جارا، الشاعر والموسيقيّ والمغني والأستاذ الجامعي التشيلي، طلقتان في الرأس، ستة في الركبتين، اربعة عشرة في الذراعين، واثنتان وعشرون في الظهر! لم تكن الجريمة مجرّد إعدام روتيني لمعارض وشيوعي وشخصية شعبية مناهضة للفاشية، بل كانت أقرب إلى طقس همجي دموي يستهدف بث الرعب وارهاب الناس.

وقبل الإنقلاب بيومين، كان جارا قد وضع اللمسات الأخيرة على معرض فوتوغرافي بعنوان (دائماً، من أجل الحياة)، والذي كان منتظراً أن يفتتحه الرئيس الشهيد سلفادور الليندي. وقبيل اغتياله الوحشي، عمد الجلادون إلى تكسير أصابع جارا لمنعه من العزف على الغيتار وأداء موسيقاه الشعبية الملتزمة، دون أن يعرفوا بأنه كتب قبل اعدامه بدقائق قصيدة أخيرة أخفاها في حذاء أحد السجناء، ووصف فيها الفجيعة قائلاً:

نحن هنا: خمسة آلاف من البشر

مكدسون.. محشورون.. في هذا الشق من المدينة

خمسة آلافٍ نحن

تُرى كم عددنا في أرجاء البلاد؟

يا لها من كتلةٍ من البشر

جائعون.. خائفون.. بردانون.. موجَعون

ستة منا قد أسلموا الروح

والتحقوا.. بنجوم السماء

واحدٌ قُتِل .. والآخر ضربوه وضربوه

في قسوة تفوق الخيال

والأربعة الآخرون لم يكونوا يريدون

غير أن يضعوا حداً لمخاوفهم

واحدٌ قفز نحو موته

واحدٌ هشم رأسه بجدار

لكنهم جميعاً

كانوا يحدقون في أعين الموت

ها هنا عشرة آلاف من الأيدي التي

لن تعمل بعد اليوم

تُرى كم منا هناك..

في طول البلاد وعرضها؟

الدم الذي أريقَ من رفيقنا الرئيس

أقوى من قنابلهم ورشاشاتهم

بهذه القوة نفسها ستتحد قبضاتنا يوما

وترد لهم الصاع صاعين

أيتها الأغنية

كم أنت ناقصة.. كم يعوزكِ الكمال!

عندما أكون في أمسِّ حاجتي للغناء

تراني لا أستطيع

لا أستطيع لأنني.. ما زلتُ حياً!

لا أستطيعُ لأنني.. أموت!

يرعبني أن أرى نفسي

ضائعاً في لحظات الأبدية

حيث الصمت والصرخات

غايات أغنيتي

ما أراه الآن.. لم أره أبداً

ما ينتابني.. ما أحسسته

سيجعل اللحظات.. تورِقُ من جديد.

بابلو نيرودا

مبدع كبير أخر، كان ضحية هذا الإنقلاب الفاشي، إنه بابلو نيرودا، الشاعر والسياسي والدبلوماسي الشيوعي الكبير، والحائز على جائزة نوبل للآداب ووسام لينين للسلام وعشرات الأوسمة والجوائز من مختلف أقصاع الأرض. كان نيرودا مرشحاً للحزب الشيوعي في الانتخابات، قبل ان يؤسس تحالف الوحدة الشعبية، حيث انسحب دعماً للرئيس الليندي، الذي كتب عنه الشاعر قائلاً:

“إن أعمال الليندي وآثاره ذات القيمة القومية التي لا تمحى، أغضبت أعداء حريتنا، فقصفوا القصر، تماماً كما فعل النازيون مع المدن الآمنة العزلاء. إنه رجل لا يموت.. لم ينتحر كما يدعّون بل قاتل ببسالة، بلا رفيق غير قلبه العظيم، حتى اخترقت رصاصات العسكر جسده، العسكر الذين خانوا تشيلي مرة اخرى” (5). ثم قتل الفاشست نيرودا في بيته بعد الانقلاب بثلاثة اسابيع.

الدروس المستفادة

لقد كتبت عشرات الدراسات والأبحاث عن تلك التجربة الغنية، في تاريخ اليسار العالمي، وما كشفت عنه من دروس مهمة، كان من أبرزها أهمية العامل الذاتي في تحقيق النصر، وخطيئة الثقة بالبرجوازية المتخلفة، التابعة للإمبريالية والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بملاّك الأراضي، وبكل مؤسساتها وأدوات قمعها. كما إن تبني الطريق السلمي للمضي نحو الإشتراكية، لا يعني التخلي عن مقومات الدفاع عن الحرية والديمقراطية، التي لم يعاديها أحد في التاريخ، قدر معاداة الإمبرياليين لها، هؤلاء الذين أثبتت تجارب التاريخ نفسه، قدرتهم على تجاوز كل الخلافات بينهم، لصد أي اختراق يحققه الجياع لسور قلاعهم العفنة.

وإذ نتذكر نحن العراقيين، أيام فرحتنا بأنتصار تجربة تحالف الوحدة الشعبية وحملات التضامن التي قمنا بها دعماً له، حين أطبقت على عنقه مخالب الفاشيين، نشعر بالزهو اليوم، ونحن نرى التشيليين يقتصون من القتلة، ويعود جيل جديد وعنيد من اليساريين ليحقق طموحات الشعب، في ثمرات عذبة لنضال لا ينضب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

  1. جريدة الشعلة السويدية أيلول 2023
  2. مجلة الغد 1980 العدد 3.
  3. الشعلة، مصدر سابق
  4. سبق انقلاب شباط الفاشي 1963 اضراب مماثل!
  5. مذكرات نيرودا، ترجمة محمود صبح 1975
عرض مقالات: