اخر الاخبار

شهدت العقود الاخيرة جدلاً خصباً وثريا لتدقيق هذا المفهوم والتأكد من شرعيته، أو عدمها. وبدون الدخول في التفاصيل يمكن القول بهيمنة اتجاهين رئيسيين في المناقشة هما:

الإتجاه الأول، وهو الاتجاه الرافض لإستخدام مفهوم البرجوازية الطفيلية، ويعتقد أنه غير شرعي من الناحية العلمية. ويستند هذا الاتجاه في رفضه على إجراء مقاربة للمفهوم تقوم على الاطروحات اللينينية حول الطفيلية، وأساسا التحليل الذي صاغه (لينين) حول الطفيلية ضمن كتابه الهام (الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية). وبحسب هذا الاتجاه فإن لينين ذكر الطفيلية مراراً، جاعلا إياها صفة الرأسمالية (الرأسمالية الطفيلية) والإمبريالية أيضا (الإمبريالية الطفيلية)، كمترادفين. وبدون الدخول في تفاصيل لا مبرر لها في هذا المكان، يمكن الاستنتاج من هذا الترادف أن الطابع الطفيلي إنما ينصرف الى الرأسمالية الغربية في مرحلة الإمبريالية، مرحلة الاحتكارات واقتسام العالم بين الشركات الاحتكارية والدول الكبرى. فكما معلوم خصص (لينين) قسما من كتابه المشار إليه سابقا، وقد ظهر هذا القسم تحت عنوان : طفيلية الرأسمالية وتعفنها. ولكي يفهم منذ البدء في هذا القسم أن الطفيلية ليست سمة أصيلة في كل رأسمالية وإنما في رأسمالية الاحتكارات المالية بالذات. وبحسب ممثلي هذا الإتجاه فإن التحليل اللينيني لإشكالية الطفيلية يربط بين ثلاثة أمور هي :

الرأسمالية المالية الإحتكارية ذات الطابع الطفيلي بالضرورة؛

الدولة الريعية؛

تقسيم العمل الدولي الرأسمالي، أي نمط توزيع الأنشطة الإقتصادية بين الدول الرأسمالية المتطورة والبلدان الأخرى.

وإذا تم إعادة بناء (تركيب) الاطروحات اللينينية أعلاه فإنه يمكن الاستنتاج بأن السمة الطفيلية هي خلاصة تركيبة للتفاعل بين رأس المال المالي والدولة الريعية والاستغلال الرأسمالي الدولي. كما أن (لينين) استخدم هذا التعبير لوصف مرحلة من تطور الرأسمالية لكنه لم يستعمله لوصف طبقة معينة.

وهناك من الباحثين من يعتقد بأن هذا التعبير (الطفيلية) هو تعبير هلامي، ولهذا فإن الباحثين الذين أنتجوا واستخدموا مفهوم (الطفيلية) كانوا مضطرين الى إضافة جملة من الاستدراكات والتحفظات على تحديداتهم. ولهذا يتساءل هؤلاء عن معنى “ الطفيلية “، وهل تشمل نشاطا دون آخر، أو بتعبير أدق هل تعني النشاط الذي لا يساهم في عمليات الإنتاج المادي ؟ وإضافة لذلك هل “ الطفيلية “ وصف لفئة دون أخرى ؟. ولهذا يعترض هؤلاء على تعبير (الطفيلية) لأن المطلوب، بحسب هؤلاء، هو توصيف سمات التطور الرأسمالي في “ العالم الثالث “ في ظرف مثل هذا وليس صفات الطبقة نفسها. إذا سلمنا بأن البرجوازية تنطلق من تحقيق أقصى ربح ممكن من خلال نشاطها، وإذا كان الإطار العام للنشاط الاقتصادي في بلد ما يجعل من المقاولة، على سبيل المثال، النشاط الأكثر ربحية اليس هذا النشاط عقلانيا من وجهة نظر البرجوازية ؟ وبالتالي ينطرح تساؤل آخر: من هو الطفيلي ؟ أهو إطار النشاط العام الذي يشترط كل المجتمع عمليا في ظل التبعية ؟ أم هو طبقة معينة ضمن الطبقات الأخرى ؟.

الإتجاه الثاني، وهو الاتجاه الذي يعتقد بمشروعية استخدام هذا المفهوم كأداة تحليلية لتوصيف التطور الملموس لفئة اجتماعية محددة وبروزها في البنية الاجتماعية في بلدان عديدة، وتوسع نشاطها ومسعاها للسيطرة على توجيه الاقتصاد والسياسة في هذه البلدان. وينطلق هذا الإتجاه من حقيقة أن ملاحظة الواقع وكذلك من الدراسات التي أجريت في بلدان عدة تبين أن هناك نمواً سريعاً ومتعاظماً لفئة اجتماعية، تقدر ثرواتها بأرقام “فلكية “ ومن دون أن يكون لهذه الثروات وجود مادي ملموس في أصول إنتاجية. ومن بين العوامل التي ساعدت على هذا النمو السريع لهذه الفئات يشار الى إرتباطها بالفساد في قمة السلطة وإختراقها لأجهزة الدولة والقطاع الحكومي وتمكنها بالفساد والإفساد أن تسخر موارد الاقتصاد والموارد العينية والمالية لخدمتها وتحقيق ثرائها، إضافة الى الإستفادة من الإختلالات في الاقتصاد وانتشار المضاربات والتهرب من الضرائب الجمركية والضرائب على الدخول. وقد تمكنت هذه الفئات بحكم نفوذها السياسي المتزايد من ناحية، ويفضل ثرائها الاسطوري المتزايد، وسيطرتها على بعض أوجه النشاط الاقتصادي من ناحية أخرى أن تهيمن على المفاصل الاساسية للإقتصاد والمجتمع في العديد من البلدان.

وبهدف تعميق المعرفة بالظاهرة الطفيلية في الاقتصاد يلح أنصار هذا الاتجاه على ضرورة التفرقة بين مفاهيم عديدة، الأول ما يمكن تسميته بـ “ الأنشطة الطفيلية “ والثاني ما يمكن تسميته بـ “ الدخول الطفيلية “ والثالث ما يمكن تسميته بـ “ عناصر وفئات الرأسمالية الطفيلية “.

ويجري تعريف “ النشاط الطفيلي “ على أنه “ نشاط ناقل للثروة ومجاله الاساسي التبادل.... فهو نشاط غير منتج للثروة أو القيمة، وممارسته تتم في المقام الاول خارج الانتاج “. إن مصطلح “ الأنشطة الطفيلية “ يعتبر مفهوما أعم وأوسع، ويغطي عددا من الأنشطة الاقتصاديات والممارسات الاجتماعية التي ينخرط فيها أقسام واسعة من الناس على اختلاف مواقعهم الاجتماعية.

وحين يجري الحديث عن “ الرأسمالية الطفيلية “ فيجب تركيز الانتباه وبذل جهود أكبر لجهة تمحيص واختيار هذا المفهوم وماذا يقصد به تحديدا. ويجري التساؤل حول التالي: هل برزت فئة رأسمالية جديدة ومتميزة عن كافة الفئات والشرائح الرأسمالية التقليدية المتعارف عليها بالتصنيفات الطبقية (رأسمالية زراعية، رأسمالية تجارية، رأسمالية صناعية .... الخ) أم أن مصطلح “الرأسمالية الطفيلية “هو تسمية جديدة لفئات رأسمالية قديمة نعرفها جيدا ونتعايش معها منذ فترة غير وجيزة؟

عرض مقالات: