في عام ١٩٢٥ طرحت «الصحيفة»، الجريدة الماركسية الاولى في العراق، مسألة سفور المرأة ومشاركتها في الحياة العامة.

وكانت هذه الدعوة اشبه «بهرطقة» غاليليو غاليلي! فالبلاد كانت تعيش وضعاً تسود فيه مفاهيم العشيرة والقبيلة والنظام الاقطاعي، الذي لم يعد له مكان في عالم تسوده الرأسمالية الاحتكارية والامبريالية، وسيادة الرجل المطلقة.

وكانت الرأسمالية قد وضعت على ارض العراق قدماً، ما كان لها ان تقف عليها لولا عكازة الدعم الاستعماري البريطاني، بينما زرع هذا الاستعمار العجوز في رحم المجتمع العراقي بذرة الراسمالية المصابة بوهن الشيخوخة!

واستُقبلت هذه الدعوة لتحرير المرأة من الحجاب، الذي كان سائداً في الحواضر اكثر منه في الريف، بحملة شعواء في الصحافة الرجعية والاوساط المحافظة المتشددة. غير انها (الدعوة) لم تكن مجرد علكة بلا طعم تُلفظ بعد حين، بل كان لها المستقبل كله.

كانت نبتة قابلة للحياة لأن تطور الحياة العصرية يمليها. ومن ثم شقت طريقها في الثلاثينات والاربعينات.

لقد مزق التطور بعنفوانه واندفاعه العفّة المفترضة لمجتمع «الحريم المحصنات»، وكان غزوه مظفراً حيثما كانت «مدفعية» المدارس تمهد للهجوم. وهكذا انجب لقاح الحضارة الفتي، في الثلاثينات والاربعينات، اولى المعلمات والمدرسات والمحاميات والطبيبات العراقيات.

وقبل ان ينتهي النصف الاول من ذلك القرن احتلت امرأة مركز عضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.

وهنا لابد من الاشارة الى ان مؤسس الحزب الشيوعي وقائده يوسف سلمان (فهد)، أوْلى قضية المرأة اهميةً كبيرة، وكان اول من كتب في صحيفة الحزب السرية (القاعدة) عن المرأة بمناسبة الثامن من اذار في مطلع الاربعينات من القرن الماضي. واكثر من ذلك كان يعتني شخصياً بتربية المناضلات الشيوعيات. وفي نهاية الاربعينات زجت السلطات العميلة باول كوكبة من المناضلات الشيوعيات والديمقراطيات في المعتقلات والسجون.

لكن الحال كان مختلفا تماما في الريف - حيث كان يعيش قرابة ٨٥ في المائة من السكان حتى النصف الاول من خمسينات القرن العشرين - بل وحتى في المدن الصغيرة التي حرمت من المدارس او تكاد.

هكذا كان الامر في المنطقة الكردية وفي جنوب العراق - باستثناء البصرة، حيث كانت المرأة حتى مطلع الخمسينات أقرب الى ماكنة انجاب تؤدي العمل المنزلي الرتيب القاتل، وسط نظام تعدد الزوجات وهيمنة الرجل المطلقة.

كان حكما استبداديا في البيت وفي الوطن! وفوق ذلك كان على المرأة في الريف ان تعمل حافية القدمين في الحقل والزريبة، وان تنقل الماء من النهر او الجدول الى البيت، مهما كان الجرف مرتفعاً او زلقاً. وكم من امرأة وضعت وليدها او اسقطته على الجرف!

وكان عليها ان ترعى الطفل وتطببه. وهل يزول الرمد دون ان تعالجه الام بغسل عيون رضيعها بحليب ثديها الدافيء؟!

نعم، كانت المرأة كل شيء ولاشيء! كل شيء لغيرها، ولاشيء لنفسها.

فهي ليست حرة لا في الزواج ولا في الطلاق ولا في الانجاب، وتتلقى الضرب لأتفه الاسباب، وتقتل لمجرد الشك في عفتها!

فأين نحن من ذلك الآن، بعد قرابة قرن من الزمن؟!

عرض مقالات: