أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) وهو معهد دولي مستقل متخصص بالبحث فـي قضايا الصراع والتسلح والحد من الأسلحة، كتابه السنوي لسنة 2023، والذي تضمن بيانات احصائية عن الإنفاق العسكري العالمي، ونقل الأسلحة الدولية وإنتاجها والقدرات النووية والصراعات المسلحة وعمليات السلام.

تدهور متواصل

وكشف التقرير عن تدهور الأمن العالمي خلال العام 2022 مقارنة بما كان عليه قبل عقد من الزمان، حيث تفشت الحروب في أنحاء العالم، وزاد الإنفاق العسكري، وتدهور مستوى الأمن الغذائي، فيما أدت التغيرات المناخية، وما رافقها من إرتفاع درجات الحرارة والجفاف والفيضانات، إلى تعاظم تكاليف معيشة البشر.

كما أشار التقرير إلى اشتداد المواجهات بين القوى العظمى وما تزامن معه من توترات جيوسياسية وعسكرة وتراجع في استخدام الدبلوماسية ولغة الحوار، وما سببته الحرب الروسية الأوكرانية، والعقوبات التي فرضت على موسكو، من انخفاض في إنتاج البلدين من الأغذية الأساسية، الأمر الذي تفاقمت معه ليس المخاطر على السلام العالمي فحسب، بل وأيضاً مشاكل الأمن الغذائي.

وأكد التقرير على أن عدد النزاعات في العام 2022 بلغت 56 نزاعاً أي بزيادة 10 بالمائة عن العام 2021، وأدت لوفاة 147609 أشخاص، معتبراً ثلاثة منها الأخطر، لأنها سببت مقتل أكثر من 10000 شخص في كل منها (أوكرانيا وميانمار ونيجيريا)، فيما راح بين 1000 و9999 شخصا ضحية كل نزاع من 16 نزاعا أخر.

 تزايد الإنفاق العسكري

وذكر التقرير بأن الإنفاق العسكري العالمي قد ارتفع للعام الثامن على التوالي ليبلغ 2240 مليار دولار، وهو أعلى مستوى يسجله المعهد على الإطلاق. وقد أنفقت الحكومات في جميع أنحاء العالم 6.2 في المائة من ميزانياتها على الجيش، أو 282 دولار لكل إنسان (جدول رقم 1).

 وعلى صعيد الشرق الأوسط، ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 3.2 في المائة، حيث تصدرت المملكة العربية السعودية الدول بزيادة نسبتها 16 بالمائة، فيما إنخفض الإنفاق في إسرائيل بنسبة 4.2 في المائة.

وذكر التقرير بان إجمالي المبيعات لأكبر مئة شركة لإنتاج الأسلحة بلغ 592 مليار دولار أي بمنحى تصاعدي قدره 1.9 في المائة. وواصلت الشركات الأمريكية هيمنتها على السوق، حيث باعت 40 شركة أمريكية ما قيمته 299 مليار دولار (جدول رقم 2).

الترسانات النووية

وحدد التقرير وجود تسع دول في العالم، تمتلك ترسانات نووية في مطلع العام 2023، هي الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وجمهورية كوريا الشعبية وإسرائيل. وذكر بان لدى هذه الدول مجتمعة 12512 سلاحاً نووياً، منها 9576 سلاحاً متاحاً للتشغيل.

كما تم نصب 3844 صاروخاً يحمل رؤوساً نووية، منها 2000 صاروخ في حالة تأهب تشغيلي عال (جدول رقم 3).

وخلص التقرير إلى الإشارة لغياب الشفافية حيث يتباين مستوى التصريح بمعلومات موثقة حول حالة الترسانات النووية وقدرات الدول المختلفة، إلى الحد الذي تعتمد فيه بعض التقديرات على كمية المواد الإنشطارية (كالبلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب) الذي يُعتقد بأن هذه الدول تقوم بإنتاجه.

وعلى الرغم من تأكيد الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة  في بيان مشترك لها في العام 2022 على الإلتزام بمنع نشوب حرب نووية وتجنب سباق التسلح، والمباحثات الجارية بين موسكو وواشنطن حول تمديد ستارت والإتفاق على خفض إنتاج الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، فإن المخاطر شهدت زيادة مضطردة لاسيما مع رفض الصين وروسيا مواصلة التفتيش على مواقعهم النووية، فيما لم تقم واشنطن بإتلاف ترسانتها من الأسلحة الكيمياوية، التي إعترفت مراراً بإمتلاكها لها ووعدت بالتخلص منها.

الفضاء وصراع العالم الرقمي

واتسعت مؤخراً مشكلة الحرب السيبرانية، التي تعمل على إعاقة الإتصالات الفضائية والمجالات السيبرانية مما يؤدي إلى تعطيل الخدمات الأساسية أو حرمان الناس منها، كلياً أو جزئياً.

ولهذا جرت مناقشات واسعة في المنتديات العالمية المعنية بإدارة الفضاء والعالم الرقمي، بغية إتخاذ المزيد من التدابير لتوضيح مسؤوليات الدولة ومنع التأثير على المدنيين أو تخفيفه.

وحول حوكمة الفضاء، أشار التقرير إلى الوصول لخطوة صغيرة تتعلق بإتخاذ تدابير جديدة تحظر اختبار الصواريخ المدمرة والمولدة للحطام والصواريخ المضادة للأقمار الصناعية.

ويبدو حسب التقرير، أن تطوير هذه الخطوة أمر في غاية التعقيد.

تقييد تجارة السلاح

وأشاد التقرير بالجهود العالمية التي بذلت خلال العام 2022 لتعزيز الضوابط على تجارة السلع العسكرية وذات الإستخدام المزدوج ذات الصلة بالأسلحة التقليدية والكيمياوية والبيولوجية. ورغم عدم القدرة على مواصلة تلك الجهود بذات الحماس، جراء اندلاع النزاع في اوكرانيا، فقد فرضت الأمم المتحدة 14 حظراً على توريد الأسلحة، كما فرض الإتحاد الأوربي 22 حظراً وفرضت الجامعة العربية حظراً واحداً.

غير إن ذلك لا يلغي الإشارة إلى تراجع الاهتمام بأنظمة الرقابة على تصدير وتوزيع السلاح، بسبب التوترات الجيوسياسية وتفاقم الإستقطاب العالمي.

عرض مقالات: