يحتاج ما يحدث على الساحة السياسية في بلدنا، لوقفات جادة ونوايا صادقة مع الذات أولاً ثم مع الرأي العام وعموم الناس، في ظل المسارات الضارة بمشروع التغيير الديمقراطي سياسيا واجتماعيا، والتي تعكس عمق الأزمات وتفاقمها ومسؤولية الأطراف السياسية الحاكمة عنها، والتي من شأنها أن تضع مصير شعبنا وبلدنا على كفِ عفريت.
فمنذ مدة ليست بالقصيرة، عززت منظومة المحاصصة الحاكمة ظنوننا، نحن العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، عما يقف وراء إطلاق العديد من الاتهامات والتصريحات المضللة، ضد منظمات المجتمع المدني الحقيقية والنشطاء، واستغلال غياب الوعي بالدور الحقيقي لها، في محاولة لتوجيه الرأي العام بالضد من برامجها وانشطتها، التي يتمثل جلها بتوعية المجتمع وتكريس ثقافة احترام الآخر وعدم التمييز، وغرس المبادئ الإنسانية السامية لحقوق الإنسان، رغم كل ما تواجهه هذه المنظمات من تحديات وصعوبات.
وينذر واقعنا اليوم، بشكل استثنائي، بمخاطر تهدد العراقيين عموما والمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان بشكل خاص، الذين يرصدون ويناهضون الانتهاكات ويدعمون الضحايا، ويعملون بكل طاقاتهم ومنذ أكثر من عقدين لأنجاح مشروع التغيير وبناء الديمقراطية، عبر دعم الجهود الحكومية وتقويم مسارها وتقديم المشورة لدعم الاصلاح المؤسسي وبناء الكوادر، ومن أجل تعزيز المشاركة وحماية الفضاء المدني والتصدي لأي مظهر من مظاهر التعدي على الحقوق الإنسانية في العراق إلى جانب توفير الحماية للعاملين في هذا المجال.
ويأتي إصرار البرلمان العراقي على تمرير مآرب أعضائه الشخصية على حساب المصلحة العامة، في طرح مشاريع تعديل القوانين ومن بينها قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 مثالا على ذلك. فرغم ما يوفره القانون من مكتسبات حقيقية وضمان لحقوق أفراد الأسرة وحماية الطفل، ورغم الحاجة لتشريعات تتعلق بخدمة الناس وانتشالهم من الضياع والعنف مثل مشروع قانون حماية الأسرة، يعمد هؤلاء إلى تعديل القانون وإفراغه من محتواه وتشديد الاستقطاب الطائفي. كما يحاولون إسكات الأصوات التي تسائلهم كممارسة ديمقراطية أو تخالفهم آراءهم السياسية أو غير السياسية واتهامها بالأساءة والتجاوز على السلطة أو شخصيات هي جزء من المنظومة الحاكمة.
في كل يوم يمر يزداد الإلحاح بأن بلادنا بحاجة لوحدة الجهود ولخطط آنية ومستقبلية ولجيل جديد واع ومسؤول عن معالجة الكثير من القضايا والمشاكل، وأن لا يكون الهدف هو الوصول إلى كراسي السلطة، بل العمل الدؤوب للتغيير ورفض النهج الطائفي والمحاصصاتي المقيت والذي يكرس الاستغلال والنفوذ بكل أشكاله المخالفة لأحكام الدستور العراقي، والحد من تسلط النظام السياسي، والسعي لما يحقق العدالة والاستقرار والبناء ويحفظ كرامة وحقوق جميع أفراد الشعب.