ماذا نستذكر من انتفاضة لم يشهد العراق مثيلا لها؟ الدخانيات أم الرصاص الحي؟ الاختطافات والتغييب القسري أم الاغتيالات في وضح النهار؟
ماذا نستذكر؟!
كنت أجلس في تلك الأيام على ناصية الطريق أتطلع باندهاش لآلاف المارة وهم يحثون الخطى صوب ساحة التحرير، راجلين أو في سيارات النقل الجماعي " الكوستر"، عوائل كاملة وفتيات المدارس والجامعات وهن يلوحن بالأعلام العراقية وما أن يصلن لساحة التحرير حتى يتحولن لممرضات ومنظفات ومسعفات!
كانت الساحة تزهو بهن وبالشباب الثائر من أعمار ومهن مختلفة، وهو يهتف ويرسم أو يطبخ او يجمع القمامة!
حاول المعادون تشويه الصورة، صورة الانتفاضة، صورة الاختلاط الصافي والنقي، ولكنهم فشلوا، إذ لم تسجل اية حادثة تحرش، وهذا هو الدرس الأول الذي علمتنا إياه الانتفاضة وهو وقوف المرأة مع الرجل في تصديه لطغمة الفساد من أجل وطن عادل وآمن!
أما الدرس الثاني فهو انعدام "السرقة" في منطقة مكتظة بالدكاكين والمحلات ومحشوة ببضائع مختلفة غالية الثمن وخاصة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، علما أن منطقة باب الشرقي، التي أصبحت لاحقا بيتا للمعتصمين، كانت معروفة بحدوث سرقات فردية عديدة، إلا أن الشباب المنتفض عكس الصورة تماما، فالمحلات التي طالها بعض من أضرار نتيجة للقذائف والدخانيات المعادية خضعت لحراسة مشددة من قبل الشباب، حتى أن البعض منهم اشترى أقفالا جديدة، أكثر أمانا، وانتظروا أصحاب تلك المحلات لتسليمهم المفاتيح الجديدة! وكان هذا درس جديد قدمه هؤلاء الشبان ليثبتوا نزاهتهم وحبهم لوطنهم ولفعل الخير وتقديم المساعدة للآخر دون تمييز طائفي او فكري او عرقي!
والإشارة الأخيرة تتجه إلى خيمة صغيرة تنتصب تحت نصب الحرية مليئة بأجهزة الهاتف المحمول وحافظات وجزادين صغيرة ومفاتيح متنوعة، ولم تكن هذه الأشياء بضاعة للبيع او الشراء، بل هي اللقى التي تم العثور عليها خلال أيام الانتفاضة المباركة، وعادت تلك "الأشياء" لأصحابها الشرعيين فمتى يعود الوطن لأبنائه الحقيقيين؟!