فلاح أمين الرهيمي من الشخصيات الوطنية التي تركت آثارا لا تنسى في مسيرتها الحياتية، فهو من الشخصيات الاجتماعية التي لها حضورها المؤثر في الأوساط الحلية، وباحث له آثار مهمة في مسيرة الحرف العربي، فقد أصدر العديد من الكتب، ونشر أكثر من 1500 مقال في الصحافة العراقية والإلكترونية، ومناضل عرفته سوح النضال بما تحلى به من جرأة وروح مبدئية.
وقد انتمى للحزب الشيوعي في سن مبكر، فكان مثالا للشيوعي الملتزم بمبادئه، المؤمن بالقيم الشيوعية والنضالية، وكلف خلال عمله النضالي بمهام حزبية متعددة، فقد عمل في صحيفة الحزب (صوت الفرات) محاسبا ومدققا في خمسينيات القرن الماضي، وعمل في اللجنة الاقتصادية مراقبا لحركة السوق والنشاط الاقتصادي، وكلف بمهام الحماية لبعض القيادات الحزبية، وتولى مسؤولية بعض الخلايا التنظيمية فكان منظما بارعا لما يمتلك من مقومات قيادية وثقافة عالية.
وكان من المشاركين في مهرجان الشباب في الاتحاد السوفيتي عام 1957 وكان ذلك سببا في حرمانه من الدراسة ما أضطره لإكمال دراسته الأولية خارج العراق، وظل الرهيمي متمسكا بمبادئه لا يحيد عنها، فكان راهبا في محراب الماركسية ونشر مؤلفات عديدة في الدفاع عنها وبيان مفاهيمها وأسسها وما تهدف اليه.
وعن بداياته النضالية ومشاركته في العمل السياسي فقد تولع بقريبه محمد عبد اللطيف مطلب ( الدكتور فيما بعد) الذي كان في طليعة المناضلين الشيوعيين في النصف الاول من القرن الماضي وتولى مسؤوليات حزبية واعتقل عدة مرات وحكم عليه بالإعدام ثم خفف بوساطة أحد المتنفذين إلى (15) سنة وأرسل إلى نقرة السلمان، وقد زاره في سجن النقرة مع عائلته ذات مرة ورأى حياة السجناء هناك، وعندما لاحظ قريبه عزيز عبد اللطيف مطلب ميله واندفاعه ربطه بعلاقة مع الشاب شعبان عبد الكريم (أعدم في انقلاب 8 شباط 1963 ) الذي كان يقود بعض الخلايا فارتبط بالحزب ونسب إلى خلية طلابية ضمت كلا من سليم مطلب، إبراهيم شويليه، حسين جويد، وجليل جواد الربيعي.
ولصغر سنه الذي لا يجلب الأنظار كان يكلف بواجبات حزبية كالتبليغ وإيصال البريد الحزبي، وبإيصال الطعام إلى دار تقع في محلة المهدية (عگد العجم) لعائلة تسكن هناك واتضح له بعد سنوات انها وكر لمنظمة الحزب في الحلة.
وكانت تعقد اجتماعات في بيت والده البراني كان يحضرها عامر الصافي ومعه ثلاثة وعباس المرعب وجبار شويليه وذات مرة أشرف على اجتماعهم رجل يرتدي الكوفية والعقال عرف فيما بعد انه حمد الله مرتضى، وبمناسبة انعقاد مؤتمر الطلبة في ساحة السباع نظم الاتحاد سفرة طلابية إلى مدينة بابل الاثرية، كذلك حضر في احتفال أقيم بمناسبة ذكرى ثورة اكتوبر في بساتين الطهمازية، وكلف مرات عديدة بلصق المناشير على جدران البيوت والمحلات في مركز مدينة الحلة.
وأسهم مع جماهير الحلة في المظاهرات المؤيدة لرجل السلم الشيخ عبد الكريم الماشطة في انتخابات سنة 1954 وكذلك في المظاهرات المنددة بالعدوان الثلاثي على الشقيقة مصر، وبعد تركه الدراسة أخبر مسؤوله الحزبي عزيز مطلب بتفرغه وأنه مستعد لأي عمل يكلفه به الحزب، وبعد أيام رافقه في زيارة للرفيق حمد الله مرتضى وأخبره بأن الحزب سيرسله للمشاركة في مهرجان الطلبة والشباب الذي سيقام في موسكو سنة 1957، ولأنه يمتلك جواز سفر نافذ سبق له السفر به إلى سوريا ولبنان ولا يحتاج لموافقات أمنية، ولأنه الأبن المدلل في الأسرة فقد أقنع والده ووافق على سفره للراحة والاستجمام في سوريا وأنه سيمكث ثلاث أشهر وكان ذلك في شهر مايس 1957، وقام بإخفاء بطاقة الدعوة في مكان سري وحجز للسفر ووصل إلى سوريا حيث اتجه إلى فندق هناك، ومنه قابل رئيس تحرير جريدة النور وأخبره بوصوله وعنوان سكنه، وفي اليوم التالي جاءه رجل أسمر اللون ومعه زوجته وطفلاه وقدم له نفسه بانه عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) وطلب منه الانتظار لحين تحديد موعد السفر وطلب منه إسكان شاب جاء معه في غرفتي وعرف انه الاستاذ المحامي كاظم الصفار، وبعد أسبوع جاء الرفيق أبو سعيد مع زوجته نظيمة وهبي واستصحبوا الأستاذ كاظم معهم، وبعد أسبوع جاء ابو سعيد ومعه شخص عرف فيما بعد أنه الأستاذ محمد شرارة، ثم أقيمت بعد أسبوع حفلة للمشاركين في الوفد، وفي أحد أيام تموز ركبوا السيارات ومنح كل منهم رقم سري عليه التعامل به أثناء السفر لكي لا يعرف الأمن أسماء المشاركين وتحركت السيارات إلى ميناء اللاذقية ومنها سافروا بباخرة إلى موسكو.
وعند وصولهم إلى محطة موسكو استقبلتهم الجماهير بالورود والأناشيد، ثم ركبوا القطار وفي كل مدينة يمر بها القطار كانت الجماهير تحيي الوفد حتى وصلوا مدينة موسكو وهناك خصص فندق موسكفايا لإسكان الوفد وكان معه في الغرفة الرفيق كاظم الصفار، ومحمد شرارة، ومعهم في الفندق الشاعر عبد الوهاب البياتي وعقيلته والسيد هاشم الحكيم والشاعر سعدي يوسف والاستاذ محمد سعيد الصكار والشهيد محمد صالح العبلي والراحل الرياضي عبد الواحد عزيز والمناضل عبد القادر البستاني وغيرهم، وقد شارك الوفد العراقي بفعالية في المهرجان وتبادلوا الهدايا التذكارية مع الوفود الأخرى وأقاموا فعاليات مميزة، وقد التقى أثناء المهرجان برفاق من أهل الحلة كانوا يدرسون في موسكو منهم الدكتور ممتاز كريدي ومحمد علي بن الشيخ عبد الكريم الماشطة ومهدي صالح المهدي الذي حصل على زمالة دراسية هناك.
وظل فلاح الرهيمي يواصل نضاله عبر مراحل حياته المختلفة، ورغم تقدمه في السن إلا انه لم يركن إلى الدعة والراحة، وواصل عطاءه الذي لا ينضب، فكان الخطيب في محافل الحزب ومناسباته، والوجه الاجتماعي المرموق في المناسبات الاجتماعية، والمثقف الوافر العطاء في التثقيف المركزي، وقد كرمته قيادة الحزب بدرع الوفاء مع مجموعة من المناضلين الذين واصلوا العطاء والنضال رغم عمرهم المديد، وكان من الداعمين للحزب ماليا في المناسبات التي تستلزم الدعم، ولم يبخل بماله وجهده في طريق النضال لذلك أصبح مهوى أفئدة المناضلين ينظرون اليه بإكبار واحترام واعجاب، ولا زال كما عهدناه عاملا في صفوف الحزب رغم تجاوزه العقد الثامن من عمره.
هذا هو وبعض من سجاياه وخصاله ومزاياه، لذلك هو أهل لكل تكريم وتبجيل فهنيئا للحلة الفيحاء بابنها البار الذي أصبح معلما من معالمها وابنا من خيرة أبنائها.