اخر الاخبار

شهد العراق تحولات كبيرة بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 وإسقاط النظام الملكي، فعاشت الحركة العمالية اياماً مجيدة بفضل الثورة ومشروعها الوطني الديمقراطي. ولعل في مسيرة الأول من أيار العام 1959خير تعبير عن علاقة التضامن المتبادلة بين الطبقة العاملة والثورة، التي ركزت على تحقيق التنمية في مختلف المجالات، ولاسيما في الصناعة والزراعة، وأنشأت المصانع والمعامل في مختلف أنحاء البلاد مما أدى إلى خلق فرص عمل واسعة النطاق، وسعت إلى إزالة الفوارق بين المدينة والريف وأوصلت الخدمات والتيار الكهربائي لمناطقه البعيدة. وقد أسهمت هذه المشاريع في تعزيز مكانة الطبقة العاملة كقوة اقتصادية واجتماعية بارزة، وكشفت عن ارتباط واضح بين تطور الصناعة والوعي السياسي والمسؤولية الوطنية.

لكن هذا التقدم لم يكن بمعزل عن التحديات، فقد تآمر أعداء الثورة من أجل عرقلة هذا التطور. وبلغت هذه التحديات ذروتها بانقلاب 8 شباط 1963، الذي قادته زمرة من ذوي الفكر الرجعي العنصري المتخلف بالتحالف مع بقايا الاقطاع وبدعم المراكز الامبريالية وحلفائها الإقليميين، فدخلت البلاد مرحلة جديدة من تراجع الحركة العمالية والنقابية.

مرحلة التراجع والقمع

وقد سعى الانقلابيون إلى تزييف ارادة الشغيلة والهيمنة على منظماتها النقابية، وسلب ما حققته من مكتسبات بنضالها العنيد. وأصبحت النقابات العمالية في تلك الفترة، خاضعة تماماً لسيطرة السلطة الحاكمة، التي نفذت سياسات صناعية غير مدروسة أثرت سلباً على الطبقة العاملة، إضافة إلى تعطيل مشاريع صناعية كبرى وإضعاف الحركة النقابية بشكل كبير. ومع استمرار التغيرات السياسية الداخلية والخارجية، تلقت الحركة العمالية خسائر متتالية، حيث لم تشهد الفترة بين 1963 و1968 انتفاضات أو إضرابات عمالية تُذكر، رغم قسوة الاضطهاد الطبقي.

حزب الطبقة العاملة

وبقي الحزب الشيوعي العراقي، الذي تأسس كحزب للشغيلة والكادحين في عام 1934، صامداً في مواجهة هذا الشر، وتبني مصالح العمال والدفاع عنها بقوة، رغم الجراح التي تلقاها في حملة القمع الفاشية التي شنها الانقلابيون على منظماته الحزبية والجماهيرية. وقدم الحزب في مسيرة الكفاح هذه، العديد من الشهداء دفاعاً عن دور العمال كقوة فاعلة في الشارع السياسي العراقي، فقد كان القمع الذي تعرض له النقابيون، وخاصة الشيوعيين، قاسياً للغاية، حيث شمل الإعدامات والتصفيات الجسدية والسجن والفصل السياسي والتشريد والتجويع والتعذيب، ومن أبرز العمال الشهداء في تلك المجزرة، محمد صالح العبلي وحسن عوينه وصبيح سباهي وأدمون يعقوب وعلي الوتار والياس حنه كوهاري ومئات من رفاقهم.

سلام عادل

لا يمكن الحديث عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ونضاله العمالي دون ذكر شهدائه الذين ضحوا في مواجهة القمع والاستبداد. ويتصدر الشهيد سلام عادل، الذي اغتيل بعد انقلاب 1963، قائمة هؤلاء الأبطال.

كان سلام عادل مثالاً للروح الشيوعية الحقة، مؤمناً بقضية الشعب والطبقة العاملة، ومطبقاً للفكر الماركسي-اللينيني على الواقع العراقي بإبداع. وبعد انقلاب 8 شباط الأسود، شن الحرس القومي حملات وحشية ضد الشيوعيين والقوى الديمقراطية، تنفيذا لبيانه الفاشي رقم 13 الذي طالب بإبادة الشيوعيين وكل الديمقراطيين، فحدثت مجازر يندى لها الجبين، قُتل وعُذب وشُرد فيها عشرات الآلاف وفي مقدمتهم الرفيق الشهيد سلام عادل، الذي ضرب بشجاعته وصموده، أروع الأمثلة في التضحية والإيثار، وصار رمزاً للبطولة والفداء، رغم كل ما مثلته عملية اغتياله من مأساة بشعة.

فهد ورفاقه الأماجد

وكان من أبرز دروس حياة الشهيد الخالد سلام عادل، تمثله مسيرة مؤسس الحزب وبانيه، والعامل العراقي الأصيل الذي وضع اللبنات الأولى لحزب الطبقة العاملة وافتداها بحياته وصار نبراساً لها، في نضالها نحو غد لا عبودية ولا استغلال فيه، الا وهو الشهيد الخالد يوسف سلمان فهد، الذي تمر في 14 شباط من هذا العام الذكرى 76 لاستشهاده ورفيقيه زكي بسيم وحسين الشبيبي، على يد عملاء المستعمر الانكليزي، وهو اليوم الذي كرسناه يوماً للشهيد الشيوعي العراقي، ومحفزاً للنضال من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ستظل دماء الشهداء منارة تهدي الأجيال القادمة على درب الحرية، ولتحقيق شعار الوطن الحر والشعب السعيد.

عرض مقالات: