اخر الاخبار

عبر تاريخ العراق السياسي، برز الحزب الشيوعي العراقي، كأحد القوى المؤثرة التي ناضلت من أجل حقوق العمال والفلاحين وجميع الكادحين وفي سبيل المساواة الاجتماعية. وفي قلب هذا النضال، وقفت النساء الشيوعيات، اللواتي لم يكتفين بدور ثانوي، بل كن في مقدمة الصفوف، شامخات، وقدّمن أرواحهن في سبيل مبادئهن.

شهيدات الحزب الشيوعي العراقي يمثلن رمزًا للمرأة العراقية التي لم تخش مواجهة الاستبداد والظلم. هؤلاء النسوة لم ينتمين فقط للحزب في فترات النشاط العلني، بل حملن الفكر الثوري في عقولهن وقلوبهن، وشاركن بفاعلية في التنظيم السري والتثقيف وحتى النضال المسلح، حين شهدت البلاد قمعاً فاشياً للوطنيين والديمقراطيين.

من بين الأسماء البارزة التي حُفرت في ذاكرة الحزب وتاريخ العراق، كانت الشهيدات عائشة حمد أمين الحلاق، عايدة ياسين، بتول حسين الخزعلي. ويتذكر كثيرون الشابة البطلة سحر أمين منشد، التي ترّبت على مبادئ الحزب الشيوعي والفكر الماركسي وصقلت شخصيتها التجربة. عاشت في إحدى البيوت الحزبية السرية بضواحي مدينتها الناصرية، ومكثت هناك مع مجموعة من الفتيات بسنها او أكبر بقليل منها، حيث كن ينقّلن البريد الحزبي، وحاولت الاتصال بالعديد من الرفاق والرفيقات الذين تواروا عن اعين السلطة القمعية، لاعادة صلاتهم بالحزب.

تعرضت الرفيقة سحر، بعد القاء القبض عليها، إلى شتى أنواع القسوة والارهاب، ومورست ضدها أبشع أساليب التعذيب للحصول على ما تمتلكها من معلومات سرية، إلا انها ظلت صامتة لم تنبس ببنت شفة، ولم يتمكنوا من كشف اي بيت من البيوت الحزبية التي كانت على صلة بهم.

بتاريخ 31/12/1984 حكمت عليها ما يسمى "محكمة الثورة" بالإعدام. ومن هناك بعثت برسالة إلى أهلها راجية البحث عن طفلها وتربيته. وفي منتصف نيسان عام 1985 تقدمت مرفوعة الرأس، كنخلة باسقة لتعتلي المشنقة. تركت الشهيدة سحر ابنها محمد الذي ولد في 16 تموز 1984 والذي يعيش اليوم في الناصرية، فخوراً بوالدته.

دورهن في النضال

إن النساء الشيوعيات لم يكنّ مجرد أيقونات للتضحية، بل كنّ ناشطات سياسيات واجتماعيات، عملن على تنظيم العمال والفلاحين، ونشر الوعي بين النساء حول حقوقهن الاجتماعية والسياسية. بعضهن قمن بتهريب المنشورات السرية، أو شاركن في التخطيط للاحتجاجات والإضرابات التي هزت النظام الحاكم في فترات مختلفة.

دفع الحزب الشيوعي العراقي ثمنًا باهظًا بسبب مواقفه المناهضة للأنظمة القمعية المتعاقبة، وكانت النساء الشيوعيات ضمن الأهداف الأولى لحملات القمع. لم يقتصر الاستهداف على الاعتقال والإعدام، بل امتد إلى محاولة كسر إرادة النساء عبر التعذيب النفسي والجسدي، وحرمانهن من أبسط حقوقهن داخل السجون.

إرث الشهيدات

اليوم، يُشكل إرث شهيدات الحزب الشيوعي مصدر إلهام للمرأة العراقية ولكل من يؤمن بالحرية والعدالة. تضحياتهن لم تذهب هباءً، إذ ساهمت في إرساء قيم النضال النسوي والسياسي في العراق. إن قصصهن تذكرنا بأن النضال من أجل المساواة والعدالة يتطلب شجاعة وثباتًا، وهي قيم تجسدها تضحياتهن.

تكريم الذاكرة

رغم مرور العقود، ما زال الحزب الشيوعي العراقي وأصدقاؤه يحيون ذكرى الشهيدات من خلال الفعاليات والنصب التذكارية والكتابات التي توثق نضالهن. لكن هذا التكريم يحتاج إلى جهود أكبر ليصل إلى الأجيال الجديدة، ليعرفوا أن النساء العراقيات كنّ ولا زلن في طليعة النضال من أجل وطن حر ومجتمع عادل.

دروس ومآثر

شهيدات الحزب الشيوعي العراقي تركن رسالة واضحة، النضال من أجل الحق والعدالة ليس حكرًا على الرجال، بل هو مسؤولية مشتركة تتطلب شجاعة من الجميع. أرواحهن التي أزهقت في سبيل مبادئهن تظل نبراسا يضيء الطريق لكل من يحلم بعراق خالٍ من الظلم والقهر.

إنهن لسن فقط شهيدات للحزب الشيوعي، بل شهيدات للوطن بأكمله، اللواتي خططن بدمائهن ملاحم الحرية والكرامة.

عرض مقالات: