تعرفت على الرفيق الراحل سامي عبد الرزاق من خلال شقيقي الراحل (جواد كاظم باقي) الذي كانت تربطه علاقة صداقة ورفقة نضالية به منذ ستينيات القرن الماضي، وبعد انهيار الجبهة أضطر (أبو عادل) إلى الاختفاء والعمل السري، فعمل ضمن تنظيمات بغداد، ثم انتقل إلى كردستان وعمل في صفوف الأنصار الشيوعيين، وتنقل بين الدول بحكم عمله الحزبي، والمهام النضالية التي أضطلع بها حتى أستقر في السويد.

وبعد سقوط النظام البائد في 9-4-2003 عاد إلى العراق، وعمل ضمن محلية بابل، وأسهم في بناء التنظيم وأدى عمله بما عرف عنه من تفان ونكران ذات، ومبدئية عالية، وإيمان منقطع النظير بالمبادئ الشيوعية التي تربى عليها منذ شبابه الباكر. 

وبحكم العادة زرته في داره الواقعة في محلة الابراهيمية، وكثرت لقاءاتنا، وكنت أتجاذب معه أطراف الحديث في الأحداث السياسية التي عاصرها، وظروف العمل السري، فكان موسوعة لكل الأحداث السياسية والتنظيمية في بابل والفرات الأوسط، وكنت أحاول من خلال هذه اللقاءات تدوين مسيرته النضالية، فحصلت على أشتات منها، منها محطات مهمة كان يتحاشى الخوض فيها مؤكداً على سريتها وعدم تداولها أو تسجيلها لما فيها من مواقف وأحداث لا يجوز التطرق لها أو البوح بتفاصيلها، فاحترمت رغبته وأسدلت عليها الستار، ومنها ما يجب تسجيله واذاعته لأنه يمثل مرحلة مهمة لمفاصل العمل الحزبي في بابل.  

وسامي عبد الرزاق (أبو عادل) واحد من الشخصيات البارزة في التنظيم الشيوعي في الحلة، والذي كان له دور مهم في العمل السياسي، خاصة في فترة ما بعد ثورة 14 تموز 1958. وُلد في بيئة سياسية واجتماعية مشحونة، وكان له تأثير في العمل السياسي في الحقبة التي تلت الثورة وحتى فترات ما بعد ذلك.

انضم سامي عبد الرزاق إلى الحزب الشيوعي العراقي في فترة مبكرة من حياته، ورغم أنه من أسرة برجوازية معروفة تمتلك الأطيان والعقارات وتتمتع بغنى فاحش، إلا أنه كان يؤمن بالعدالة الاجتماعية والمساواة، ويعتبر أن الشيوعية هي الحل لمشاكل الفقر والاستغلال التي كانت تواجه الطبقات الشعبية في العراق، ومن خلال هذه الأفكار، أصبح جزءاً من الحزب الشيوعي العراقي الذي كان له تأثير كبير في الحركات السياسية والثقافية في العراق في تلك الفترة.

العدوان الثلاثي على مصر

تحدث عن العدوان الثلاثي على مصر فقال: في تلك الفترة أرسلني أخي (إبراهيم) مع ممثل المنظمة الحزبية إلى رزاق كريم رمضان وسلام علي السلطان وخلف عبد الأخوة، وكانوا من حزب البعث في متوسطة الحلة للاتفاق معهم على كيفية إخراج المظاهرة، وفعلاً قمنا بالتنسيق وخرجت المظاهرات منددة بالعدوان، وقامت الشرطة بمهاجمتها وعلى إثرها عطل الدوام في المدارس، وصدر قرار بفصل مجموعة من الطلبة الشيوعيين والبعثيين -وكنت أنا وأخي ابراهيم من ضمنهم- لما تبقى من تلك السنة.

بعد ثورة 14 تموز

بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 التي أطاحت بالحكم الملكي وأعلنت الجمهورية، دخل العراق مرحلة جديدة من التحولات السياسية. كان الحزب الشيوعي العراقي أبرز القوى السياسية التي ساندت الثورة، وشارك سامي عبد الرزاق بشكل نشط في هذه المرحلة، حيث كان يساهم في التوجيه السياسي والتنظيمي للحركة.

  ومع تصاعد التوترات السياسية بعد الثورة، بدأ الحزب الشيوعي يواجه تحديات كبيرة، خاصة من القوى السياسية الأخرى التي كانت تعتبر الشيوعية تهديداً للأيديولوجيات السائدة. إلا أن سامي عبد الرزاق ظل نشطاً في السياسة، وكان من الشخصيات التي لم تساوم على مبادئها.

ومن مساهماته في تلك الفترة من العمل السري، عندما قام حميد الحصونة قائد الفرقة الأولى بمنع جريدة اتحاد الشعب من التوزيع في محافظات الفرات الأوسط، تقرر تشخيص مكان أمين خارج المدينة لاستلام الجريدة التي تجلب من بغداد، وتكليف المناضلة  فوزية يوسف (أم انتشال) لاستلامها وخزنها في مكان سري، و ظهرت الحاجة إلى رفيق ينقلها من خارج المدينة لداخلها فكلف هو بهذه المهمة لأنه يمتلك سيارة (تنكر) تنقل الماء لكراج السل الذي يمتلكه، فكان ينقلها إلى مدينة الحلة ويتم توزيعها من قبل الرفيقات إلى البيوت الحزبية الأخرى ليجري توزيعها على الرفاق.

انتخابات عام 1961

  وعند التهيئة للمشاركة في انتخابات نقابة المعلمين عام1961 ، يقول الفقيد سامي: كانت القوى الرجعية تحاول بشتى الوسائل منع المعلمين الشيوعيين من المشاركة في الانتخابات، فلجأت إلى وسائل مختلفة للحيلولة دون وصولهم لمراكز الانتخاب كالاعتقال الوقتي أو قطع الطرق، أو افتعال الشجارات وما إلى ذلك من طرق خسيسة لجأت اليها السلطة الحاكمة، وكنت حينها طالباً في الاعدادية المركزية في الحلة، فكلفنا بمرافقة المعلمين وايصالهم إلى المركز الانتخابي وتأمين الحماية لهم، وكانت مهمتي في القاطع الجنوبي- باب المشهد، القاضية- وعندما أغلق الانضباط العسكري المقهى المقابلة للثانوية (مقهى أبو ثامر) لوجود تجمع شيوعي فيها من معلمين وطلبة وحرفيين، فطلب منهم التوجه إلى محلة (القاضية) التي كانت مليئة بالحصى لغرض التبليط، وعندما عدت إلى المقهى لاستطلاع الموقف واجهت بعض العناصر الرجعية وأحدهم عسكري، وهم يحملون العصي الغليظة، فحاولت الزوغان عنهم فضربني أحدهم على ساقي بعصاه فسقطت أرضاً، فانهالوا عليَ بالضرب في أماكن مختلفة، وكانت مقاومتي يائسة، وتمكنت من الحصول على عصا غليظة دافعت فيها عن نفسي، وقد عثرت على مسدس سقط من أحدهم مرميا على الأرض فحاولت الوصول اليه لالتقاطه ولكن فوجئت  بضربة قوية على رأسي أسالت الدم بغزارة وأخرى في رقبتي ما جعلني أشبه بالمشلول، ولكن العوائل الطيبة ومنهم عائلة (حاتم القصاب) استطاعوا الدفاع عني ونقلي إلى بيت (صاحب محيل)  وهو من رفاقنا، وبعد الإفاقة من غشيتي وجدت الرفيق (سليم الرهيمي) فسألته عن نتيجة الانتخابات، قالت (أم حاتم) (سوده بوجهك انت وين والانتخابات وين) فطلبت من سليم الذهاب إلى أحد أقاربي لجلب (بايسكل) لنقلي من الدار خوفاً من إلقاء القبض عليَ، أو إخبار أهلي لجلب سيارة لنقلي، وبعد فترة قصيرة جاء والدي بسيارتنا ونقلني إلى أهلي حيث تلقيت العلاج اللازم ، وبقيت في البيت شهراً كاملا بسبب الضربة.

انتخابات عام 1962 

وفي انتخابات السنة التالية كنا أنا والفقيدان(معن جواد وجبار معروف) في قيادة المظاهرة لإيصال المعلمين إلى مراكز الانتخابات، وقرب منطقة القاضية كان هناك كوم (كسر طابوق) قريبا من حائط بيت قاضي جبران، فطلبت من (معن) الذي يقود المظاهرة أن نتوجه بسرعة إلى كوم الكسر قبل ان يصله الرجعيون والأمن، ولكن (معن)  رفض وطلب مني عدم التسرع، وعندما وصلوا إلى (الكسر) قاموا برمي مظاهرتنا بالطابوق، فأصيب (معن) في رأسه وسقط في حفرة تراكمت فيها المياه فاقد الوعي، فقلت له(حيل بيك) لأنه عارض رأيي، بعد ذلك تفرقت المظاهرة، وتوجهت مع الرفاق سعيد مدرس الاقتصاد في إعدادية الحلة، وعبد الرزاق حسين استاذ الكيمياء من أهالي تكريت، والفقيد حميد الظاهر وآخرون، واتجهنا باتجاه محلة(مصطفى راغب) ولكن الشرطة كانوا يتعقبونا بسيارة لاند روفر، ويطلقون النار فوق رؤوسنا، فاضطررنا إلى العبور إلى بستان مزروع بالخس المملوء بالسماد البشري!! وكان السماد يتطاير علينا، وجئنا إلى بيتنا السابق وكان بيتنا الثاني مؤجرا إلى حاكم تحقيق المدينة عبد القادر (أبو علاء) وهو من أهالي البصرة، وكانت أرجلنا متسخة من السماد، ولوجود مركز الشرطة القريب من بيتنا، فطرقت باب الحاكم وطلبت من زوجته أن ندخل إلى بيتنا من بيتهم لمعرفتها بنا، ولكن كان البيت مفروشاً ب(الزوالي) فاستغربت الأمر وسمحت لنا بالدخول، وقامت عائلتي بغسل ملابسنا.

وفي نفس اليوم كنا ننتظر ضيوفاً من بغداد، ولكنهم اتصلوا بنا لتأجيل الموعد، فكان طعامهم من نصيب الرفاق، فسألني الرفيق سعيد أنتم يومية تأكلون دجاج وسمك، فأخبرته بالوليمة، وبعد أن استراحوا ذهب حميد الظاهر لاستئجار سيارة تعمل على خط بغداد وذهبوا إلى هناك.

   ويذكر طريفة حصلت له  عندما كلفه الراحل (معن جواد)  بنقل البريد الحزبي من الحلة إلى النجف، وعند وصوله النجف كانت لديه سيارة جديدة اشتراها من (أنور الجوهر) قبل شهر، وعندما نقل اليها كيس البريد ووضعه في الصندوق الخلفي للسيارة، وكانت الرفيقة صاحبة المنزل تقوم بنقل الكيس الثاني وعند خروجها من البيت وقف إلى جانب السيارة (جعفر الفلوجي)  وهو معاون مدير أمن النجف، فأخبرت أبو عادل عنه، فذهب اليه وسأله عما يريد، فقال له أين أنور الجوهر فأخبره أبو عادل أنه اشترى السيارة منه فاعتذر منه، وبعد انصرافه واذا بسيارة الكمارك قادمة، فقامت الرفيقة بالجلوس على كيس البريد بسرعة، وبعد أن ذهبت سيارة الكمارك أوصلت الرفيقة الكيس إلى السيارة ، ثم توجه إلى المكان المطلوب.

مواجهة انقلاب 8 شباط 1963

في عام 1963، وقع انقلاب 8 شباط الذي قاده ضباط الجيش العراقي والمدعومون من قبل القوى القومية والإسلامية. وكان هذا الانقلاب محاولة لإسقاط الحكومة الوطنية في العراق، تعرض الحزب الشيوعي للاعتقالات والاضطهاد في أعقاب هذا الانقلاب، حيث تم اعتقال الآلاف من أعضائه، وفي صبيحة الانقلاب جرى اعتقال (أبو عادل) في بيت أنور الجوهر الذي كان مقراً للحرس القومي، وهناك تعرض لتعذيب بشع، ولأثر عائلته ومكانتها الاجتماعية، وما يربطها بأنور الجوهر من علاقات تجارية توسط له، فنقل إلى سجن الحلة، ومكث في السجن فترة طويلة ثم أطلق سراحه بكفالة بعد وساطات مؤثرة.

  وخلال السنوات التالية، تعرض سامي عبد الرزاق للاعتقال عدة مرات من قبل الأنظمة المختلفة، لكنه بقي ثابتاً على مواقفه الثورية. وعلى الرغم من الاعتقالات المتكررة، إلا أنه ظل يواصل نشاطه السياسي والإيديولوجي، ما جعله واحداً من أبرز المناضلين الشيوعيين في الحلة.

مساعدة الهاربين من سجن الحلة

وعندما قام الشيوعيون بحفر نفق والهروب من سجن الحلة، قامت بعض العوائل الرجعية بمساعدة قوات الأمن في متابعة الهاربين والأخبار عنهم، لأن بعضهم من مدن بعيدة ولا يعرفون الطرق أو المناطق الآمنة فأصبحوا صيدا سهلا للأمن، ومن هنا تحركت منظمة الحلة وأوعزت لمنظماتها وخلاياها الممتدة على امتداد المحافظة بالتحرك لنجدة الهاربين وتوفير الأماكن اللازمة لإخفائهم، فقامت منظمة قرية (عنانه) بإخفاء مجموعة منهم في حفرة عميقة، يقول الرفيق سامي عبد الرزاق (أبو عادل) أخبرني الرفيق نجاح مسؤول منظمة عنانه، بعد أسبوع من عملية الهروب بوجودهم في منطقته، فاتفقت معه على نقلهم إلى قرية (البو شناوة)عرين الحزب في المنطقة، وفيها كثير من الرفاق المخلصين، وجرى الاتفاق على تسليمهم للرفيق كاظم الجاسم (أبو قيود) عضو لجنة الفرات الأوسط، وفعلا تم نقلهم بسيارة تنكر تعود للرفيق سامي عبد الرزاق، كانت تستخدم في المعمل، وأوصلهم السائق إلى منطقة البو شناوة، وبعد استقرارهم في المنطقة صدر قرار الحزب بنقلهم إلى محلية الكوت، وتم أرسالهم إلى هناك فعلاً.

   ومن المفارقات، يقول (أبو عادل) أنه في اليوم الثاني من عملية الهروب جاءني(وليد ماجد محمد أمين) فأخبرني أن السيد عزيز الحسيني أمر الحرس القومي السابق لديه(شغل معك) ويريد أن تزوره في بيته، فقلت له إذا كان لديه شغل فليأتي هو، فقال لي: أنه يريدك لأمر فيه مصلحتكم والعمل يعود إليكم، فذهبت للقائه في بيت زوجة ماجد محمد أمين، فالتقيت به وأخبرني "أن هناك شخص أسمه(صفاء) من أهالي الموصل، هارب من سجن الحلة وهو طالب في الخامس الإعدادي وموجود لدينا، ويريد اللقاء مع الشيوعيين، وأخبرني أنه يطلب اللقاء مع جماعة عزيز الحاج، فقلت له أني لا أعرف أحدا من جماعة الحاج وأني أعرف شيوعي قديم هو سامي لذلك أرسلت وراءك" أخبرت عزيز أني سأتوجه له في الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي لنقله إلى مكان آمن، بسبب الانتشار المكثف للقوى الأمنية بحثا عن الهاربين، توجهت صباح اليوم التالي في سيارة احد أصدقاء الحزب، لأن سيارتي معروفة، وعندما طرقت الباب خرج عزيز الحسيني وأخبرني أن هذا الشخص يرفض اللقاء بي، واتهم قيادة الحزب بالعمالة، وأنه أعطاه بدلة ومبلغ من المال وأوصله إلى طريق (النبي أيوب) لعله يلتقي بالشيوعيين من جماعة كاظم الجاسم، شكرت السيد عزيز الحسيني مصافحا له وقلت "لن ننسى هذا الموقف في حماية رفاقنا"، وبعد أن عدت إلى البيت أرسلت رسالة إلى الرفيق أبو قيود أخبرته فيها بأن أحد الهاربين المنشقين من سجن الحلة قد توجه إليكم، وأنه يرفض اللقاء بالحزب الشيوعي أو أن يقدم له المساعدة، وعليكم التهيؤ للقائه وتقديم العون له وتهيئة السبل الكفيلة بتأمين سلامته، وفعلا شكلت مفرزة بقيادة الرفيق عبد زيد نصار والتقوا به وعندما سألهم أنتم من جماعة القيادة أو اللجنة المركزية، فقال له عبد زيد "ولك يا لجنة يا قيادة أنت بأي وضع حتى تسأل أمشي معنا حتى لا يلقى القبض عليك وبعد أن تهدأ الأمور اذهب إلى أين تريد، لأننا ننظر إليك الآن على أنك شيوعي بغض النظر عن كونك من القيادة أو من غيرها" وفعلا ظل لديهم عدة أيام حتى استتبت الأمور وأنقطع الطلب عن الهاربين ثم مضى إلى حيث يريد.

    ومن مفارقات الهروب العجيبة أن مدير سجن الحلة أثناء الهروب العقيد (ناجي القيسي) قد خشي انتقام السلطة بسبب هروب الشيوعيين، فلجأ إلى بيت الحاج عبد الله الملا إبراهيم لأنه من أصدقائه، فجاءني عمي وطلب مني سيارتي أل(دوج) لنقل مدير السجن إلى خارج الحلة لأنها معروفة بعائديتها للشيوعيين، ولا يفكر رجال الشرطة بتفتيشها بحثا عن مدير السجن، وفعلا قمت بإيصاله إلى خارج الحلة.

بعد انقلاب 17 تموز 1968

وقبيل اتفاق الجبهة عام 1972 نسب للدراسة الحزبية في موسكو، يقول: ذهبنا أنا ومعن جواد وعدنان عباس وزوجته إلى دهوك بسيارته وعند وصولهم مدينة دهوك، ذهب إلى العنوان ورتب أمور السفر، ثم ذهبوا باتجاه مصيف سرسنك وسولاف والعمادية، وذهب عدنان وزوجته إلى السوق لشراء بعض المواد فيما ظل سامي ومعن في السيارة بانتظارهم قرب أحد البنايات، وجاء شخص سلم عليهم وسألهم هل أنتم من بابل؟ فسأله سامي لماذا؟ فقال لأن رقم سيارتكم بابل وأنا من الحلة أعمل في دائرة الأمن وأشار إلى البناية المجاورة، فرحبوا به وسألوه هل تحتاج لشيء أو وصية لأننا سنعود إلى الحلة فشكرنا وذهب، وعندما عاد عدنان توجهنا إلى دهوك حيث ودعتهم وسافرت إلى موسكو.

قضية المعتقلين

ومن الأحداث التي رافقت العمل الجبهوي يذكر الفقيد سامي قضية الفلاحين في الكفل حيث جرى الاتفاق على الإخبار عن التجاوزات وعمليات التعذيب التي مورست مع الفلاحين في الكفل، وقمنا بتقديم شكوى قضائية عن هذه التجاوزات وقدمت قائمتان أحدهما تضم(27) اسما وأخرى (18) اسما من الذين جرى تعذيبهم تعذيباً بشعاً، وجرى إخبار رئيس الجمهورية احمد حسن البكر بذلك، وشكلت لجنة تحقيقه برئاسة نعيم حداد سكرتير الجبيهة الوطنية، وقال بالحرف الواحد: اذا ثبت أن الشيوعيين يعذبون بهذا الشكل فسأقوم بتعليق مدير الأمن أمام باب الدائرة، وأرسل على الرفاق المعتقلين في ديوان المجلس الوطني، وطلب من سامي نقلهم بسيارته بطريق خاص وليس على الطريق العام بعيداً عن نقاط التفتيش خشية تعطيل سفرهم، وعند وصولهم إلى بغداد كان الفقيد عامر عبد الله بانتظارهم فجلس إلى جانبهم وقدم لهم السكائر والشاي لتطمينهم، وطلب منهم التحدث كأنهم جالسين في مضيفهم دون خشية أو خوف، وعندما التقوا ب (نعيم حداد) تحدثوا بكل جرأة عن ما لاقوه من تعذيب واهانات في أمن الحلة، فقام نعيم حداد بالاتصال بالدكتور صادق علوش مدير مستشفى مدينة الطب طالبا منه تنسيب طبيب وفحص هؤلاء الرفاق وكتابة تقرير مفصل عن حالات التعذيب،  فسأله صادق عن تاريخ حدوث التعذيب فقال له أنه منذ أربعة أشهر، فقال له لا يظهر التعذيب الا في حالات الكسر أو القطع، بعدها عدنا إلى الحلة.

وفي اليوم التالي ذهبنا إلى بغداد بنفس الطريق الآمن وذهبنا إلى مدينة الطب فقابلنا الدكتور صادق علوش الذي أرسلنا إلى دكتور في الطابق الرابع وكنت معهم، وتصور الدكتور أنى رجل أمن فطلب مني الخروج، ثم قال لهم - كما حدثني معن بعد ذلك - هل تعتقدون أنكم تحصلون على شيء بشكواكم هذه من الأمن؟ وكان حريصا على قول الحقيقة وكان تقريره يثبت واقعة التعذيب.

وطلبت اللجنة المشكلة في لجنة الجبهة حضور معاون مدير الأمن المشرف على التعذيب لتسجيل افادته إلا أنه أرسل تقريرا بعدم استطاعته الحضور، وأخذ يماطل بالحضور في كل استدعاء حتى أهملت القضية، ولكن ممارسات الأمن خفت بعض الشيء ضد الشيوعيين، وبعد فترة (عادت حليمة إلى عادتها القديمة) وبدأت الاعتقالات والتجاوزات، وأخذوا يسبون الرفيق المعتقل ومن يشتكي عنده في إشارة للشكوى السابقة.  

  وذات مرة كلفنا أنا ومعن جواد بمتابعة قضية رفيق من سدة الهندية اعتقل وعذب تعذيباً شديداَ، وعند مفاتحة مدير أمن بابل (أبو إسراء) لإطلاق سراحه، فقال لنا أنه تهجم على النائب صدام عند ظهوره في التلفزيون جالساً في مؤتمر دول عدم الانحياز، وقال عنه (كاعد مثل الفسيفس) فقلنا له أنه معتقل قبل المؤتمر بيومين فكيف شاهده وتكلم عنه، فقال إذا كان هذا صحيحا فسيطلق سراحه فوراً، وفعلاً أطلق سراحه، وكان كثير من الرفاق يعتقلون لأسباب واهية.    

 وفي عام 1978 خرجت الرفيقة (أميرة الخزاعي) من المقر، فلحقها رجال الأمن وعلى رأسهم المفوض ناظم، واخذ يتلفظ عليها بألفاظ نابية ما جعلها أن تضربه بحذائها، فقدم شكوى عليها، واتصل مدير الأمن بالرفيق معن ممثل الحزب في الجبهة من خلال تلفون العلاقات، وكان التلفون بفرعين واحد منها في غرفة سكرتير المنطقة عدنان عباس والآخر لدى (معن) وقال له: هل لديكم توجيه من الحزب بضرب رجال الأمن، واني وجهت الآن بقتل أي شيوعي لا ينفذ أوامر الأمن في الشارع أو البيت.

غداة انهيار الجبهة

وعندما ساءت الأوضاع وكشرت السلطة عن أنيابها قام الفقيد معن جواد بالتعاون مع (سامي عبد الرزاق) ببيع سيارات الحزب وما غلا ثمنه من مواد وتسليم مبالغ البيع إلى الرفيق جاسم الحلوائي (أبو شروق) لأنه الوحيد من قيادة الحزب المتواجد في المقر، واغلاق المقر وتبليغ الرفاق باللجوء إلى العمل السري.

انتقل الرفيق سامي إلى بغداد لمواصلة عمله الحزبي هناك، والتواصل مع المتبقين من الرفاق في الحلة، وعلم باعتقال الرفاق فاضل وتوت ممثل الحزب في الجبهة الوطنية، ومهدي كامل عضو اللجنة المحلية وآخرين، منهم من أعدم أو غيب وضاعت أخبارهم ومنهم من أضطر للتوقيع على المادة 200 فيما لجأ آخرون للعمل السري منهم الرفيق جبار جاسم (أبو عبيس) وكاظم عبيد (أبو رهيب) وطالب باقر (أبو رياض) وغيرهم من الرفاق الأبطال الذين واصلوا المسيرة وذاقوا مرارة الاختفاء والتشرد، وبعد فترة ليست بالقصيرة بلغ بضرورة مغادرة العراق، وعندما حاول السفر عن طريق المطار لأنه يمتلك جوازاً نافذاً لم يتمكن لوجود منع سفر بحقه، بعدها تمكن من التوجه إلى كردستان.

عمله في كردستان

انتقل سامي عبد الرزاق إلى كردستان العراق، حيث انضم إلى قوات الأنصار الشيوعية. كانت كردستان في تلك الفترة ملاذاً للمناضلين الذين فروا من الاضطهاد في المدن الكبرى، وفي كردستان انضم لفصائل الأنصار الشيوعيين، وقاتل إلى جانب الأكراد ضد الحكومات المركزية، وهو ما يعكس التلاحم بين النضالين الكردي والشيوعي في مواجهة الظلم والاستبداد.

وكلف بعدد من المهام الحزبية في كردستان حتى انتقاله إلى السويد لاجئاً سياسياً، وظل عاملاً في التنظيم الحزبي حتى سقوط النظام، حيث شارك مع الرفاق في محلية بابل في اعادة التنظيم، وخصص بناية له في باب المشهد لتكون مقراً لاتحاد الطلبة والشبيبة، وكان يزور الحلة في فترات متقاربة، ولابد من الاشارة إلى أن الرفيق سامي عبد الرزاق كان يدفع بشكل مستمر في كل عودة إلى العراق مبلغا جيداً من المال عن اشتراكه الحزبي رغم أنه يدفع الاشتراك في السويد، وكان كثير التبرع بالمال لمنظمة الحلة، ويتبرع بالمال لمالية المنظمة أو لبناء المقر أو تأثيثه، وآخر وصاياه بعد رحيله لنجله عادل أن يدفع شهرياً للحزب مبلغ 250 الف دينار!! وأخيراً توقف القلب الكبير عن الخفقان في السويد، وجرى نقل جثمانه إلى العراق فاستقبله رفاقه ومحبوه في مطار النجف وشيع تشييعاً مهيباً لما يكنه له أبناء الحلة من حب وتقدير، وأقيم له تأبين في أربعينيته في مقر الحزب الشيوعي في الحلة، وسيبقى ذكره خالدا لجميل ما قدم وكريم ما أسدى، فمثله لا ينسى ولا يمكن أن يطويه النسيان.