"لقد بدأّ ترامب للتو الحرب التجارية الأكثر تطرفًا في التاريخ الحديث. لم يُخطّط لها في دافوس، ولم تُقرّها وول ستريت، ولم يدعمها أيّ اقتصاديّ عاقل. لكن هذه المرّة، ليست ليبرالية جديدة" (وليم هو في 5 نيسان 2025 على منصة اكس".
إن فوضى جنون ترامب تعكس التناقضات والطبيعة المأزومة للنظام الرأسمالي. وكذلك تحديه العالمي لنظام الكمارك والتجارة. ووفق ترامب، فإن الولايات المتحدة تعرضت، طيلة عقود، للاستغلال من قبل شركائها في التبادل التجاري، بما في ذلك حلفاؤها. ومعياره لهذا الاحتيال العالمي على الولايات المتحدة هو العجز في ميزانها التجاري.
على مدى عقود من الزمن، كانت الولايات المتحدة تستورد من الدول الأخرى أكثر مما تصدره من السلع والخدمات الأمريكية. في عام 2024، صدرت ألمانيا إلى الولايات المتحدة سلعاً بقيمة 76,4 مليار دولار، وخدمات بقيمة 3,8 مليار دولار أكثر من تلك التي استوردتها ألمانيا من الولايات المتحدة. ويقوم ترامب الآن بمقارنة هذا العجز بحجم الواردات ويستخدمه لتحديد مدى تعرض الولايات المتحدة للاستغلال. في حالة ألمانيا، فإن النسبة تصل إلى 54 بالمائة. ترامب، باعتباره اللورد الأعظم، يحصل (يفرض) فقط على النصف، أي 27 في المائة على الألمان. لم يذكر ترامب ألمانيا في رسالته صراحةً؛ أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد فرض ترامب عليه رسوما كمركية بنسبة 20 في المائة.
اقتصاديا، لا أساس من الصحة إلى حد كبير، لحسابات ترامب. أولا، لم تول حساباته اهتماما كبيرا بقطاع الخدمات، الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة بفوائض، مقارنة بأغلب البلدان.
ولا يتم أخذ حركة رأس المال في الاعتبار على الإطلاق. على سبيل المثال، يدخل سنويا أكثر من 30 مليار دولار من ألمانيا إلى الولايات المتحدة، حيث تُستثمر في الأسهم والبنوك وغيرها، وتكون متاحة للاستثمارات المحتملة أو القروض هناك. ومن ناحية أخرى، يدخل أكثر من 40 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة إلى ألمانيا. وبالتالي هنا أيضا، من وجهة نظر الولايات المتحدة، فان المحصلة العامة سلبية. ان ما تقدم لا يثبت، أن نقص الاستثمار في الولايات المتحدة لا يعود إلى العرض المفرط للسلع والبضائع في الخارج، بل إلى حقيقة أن الرأسماليين الأميركيين يستثمرون رؤوس أموالهم حيث يحقق الاستثمار أكبر قدر من الربح، بغض النظر عن انعكاسه السلبي على الإنتاج وفرص العمل في بلادهم.
وهذا يثير التساؤل أيضا، حول سبب تمكن الولايات المتحدة من استيراد سلع من الخارج سنة بعد سنة وعلى مدى عقود تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات أكثر من قيمة صادراتها. تستطيع الولايات المتحدة القيام بذلك، لأنها حافظت، حتى اليوم، على الدولار كعملة عالمية. يتم تداول قرابة ثلثي التجارة العالمية بالدولار، وول ستريت في نيويورك هي موطن بورصة الأوراق المالية حيث يتدفق رأس المال العالمي معًا.
وبناء على ذلك فإن تجارة السلع والخدمات العالمية تتم بشكل رئيسي بعملة تحدد الولايات المتحدة قيمتها وحجمها. وهذا يوفر الظروف المثالية لصانع ديون عملاق، والذي، إذا لزم الأمر، يستطيع سداد ديونه من خلال إنشاء مطبعة عملة خاصة به.
ويوفر للاقتصاد الأميركي فوائد عظيمة كذلك، ولكنه يسبب أيضا ضررا خطيرا. بسبب النقد المتزايد لحوافز إنتاج السلع محلياً، التي يتم استيرادها بكميات كبيرة وبتكلفة رخيصة.
إن إزالة التصنيع في المدن الكبرى هي النتيجة المنطقية لهذا النوع من العولمة، والتي تبدأ بالقطاعات ذات إنتاجية العمل المنخفضة ولكنها تنتشر باستمرار بخط بياني متصاعد.
يريد ترامب استخدام جدار التعريفات الجمركية لإجبار المنتجين على الإنتاج في الولايات المتحدة مرة أخرى.
هذا التصور غير قابل للنجاح. وفق نموذجه الاستغلالي الفظ، يفترض ترامب أن الأسعار لن تتغير بعد زيادة الرسوم الكمركية تقريبا. وأن القدرة الشرائية للمستهلكين تبقى على سابق عهدها. في الواقع، ستؤدي الرسوم الكمركية إلى زيادة أسعار السلع المعنية. ولا يمكن للموردين استيعاب زيادات تعريفات جمركية بزيادة قدرها 50 في المائة أو أكثر. وكقاعدة عامة، تتعلق السلع بالضروريات اليومية، ويتعين على أصحاب الدخول المنخفضة نسبيا من الطبقات الدنيا والمتوسطة تجنب ارتفاع أسعار السلع (في الولايات المتحدة، يعتبر قرابة 20 في المائة من السكان فقراء، وهذا هو الحال في ألمانيا ايضا).
وترى أصوات الرأسمالية المحترفة في وسائل الإعلام السائدة لدينا هذا الخطر أيضًا. سواء كانت مجلة شبيغل، او جريدة "سود دويجه تسايتنغ"، او جريدة "دي تسايت" (من كبريات الصحف في المانيا – المترجم)، يشير الجميع إلى أنه منذ عهد ديفيد ريكاردو (من كبار الاقتصاديين الكلاسيكيين- المترجم)، كنا نعلم أن التجارة الحرة غير المقيدة، هي التي تؤدي فقط، إلى أعظم قدر ممكن من الثروة لجميع الأمم.
صاغ ريكاردو قانون التكلفة المقارنة، والذي ينص على أن الرخاء العام يتحقق إذا ركزت كل دولة على إنتاج السلع ذات العيوب الأقل. انتبه، ليس أكبر المزايا، بل أصغر العيوب. إذا كانت إنجلترا والبرتغال تنتجان النبيذ والقماش، فسيكون من الأفضل لكليهما، إذا ركزت إنجلترا على إنتاج القماش والبرتغال على انتاج النبيذ، وعندها سوف يستفيد كلاهما أكثر مما لو انشغل كل منهما في تصنيع المنتجين. وسيكون هذا التوزيع أفضل أيضاً إذا استطاعت الدولة أن تنتج بطريقة أكثر فعالية من حيث التكلفة في كلا القطاعين. وهذا كله يعود إلى "الميزة المقارنة".