تعتبر قضية تحرير المرأة واحدة من أبرز القضايا الاجتماعية والثقافية في العصر الحديث، وقد نالت اهتماما واسعا من مختلف التيارات الفكرية والسياسية. ومن بين هذه التيارات، تقدم الماركسية رؤية شاملة لتحليل جذور القهر الذي تتعرض له المرأة. الكاتبة والمفكرة الماركسية إيفلين رييد تناولت هذه القضية بشكل معمق، حين قدمت تفسيرا جذريا للعوامل التاريخية والاقتصادية التي أدت إلى اضطهاد النساء.
الجذور التاريخية لاضطهاد المرأة
فوفقا لإيفلين رييد، لم يكن اضطهاد المرأة ظاهرة أزلية أو طبيعية، بل هو نتاج تطور تاريخي معين، تعود جذوره إلى ظهور الملكية الخاصة والأنظمة الطبقية. في المجتمعات البدائية، حيث كانت الموارد تدار بشكل جماعي، لم يكن هناك تمييز كبير بين الجنسين من حيث الأدوار والقيمة. لكن مع تطور الزراعة وظهور الفائض الاقتصادي، بدأت تتشكل الطبقات الاجتماعية، وكان لذلك تأثير كبير على وضع المرأة، لاسيما عندما أصبح الرجل المالك للأرض والثروة، ففرض سيطرته وبدأ التعامل مع المرأة وكأنها جزء من الممتلكات. هذا التحول، وفقا لرييد، هو ما رسخ البنية الأبوية التي لا تزال قائمة حتى اليوم. وهكذا، فإن اضطهاد المرأة ليس مسألة بيولوجية أو قدر محتوم، بل هو نتيجة هيكل اجتماعي اقتصادي يمكن تغييره.
الماركسية وتحرير المرأة
وترى إيفلين رييد بأن تحرير المرأة لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن التحرر الاجتماعي الشامل. فالاضطهاد الذي تعانيه النساء متجذر في النظام الرأسمالي، الذي يعزز التفاوت الطبقي والجندري، ويستفيد من استغلال المرأة بطرق متعددة منها:
- القوى العاملة الرخيصة: فغالبا ما تستغل النساء كقوى عاملة بأجور منخفضة مقارنة بالرجال، مما يعزز أرباح الرأسماليين.
- العمل غير المدفوع: تتحمل المرأة الجزء الأكبر من العمل المنزلي وتربية الأطفال، وهو عمل غير مدفوع يعتبر أساسيا لاستمرار المجتمع، لكنه لا يُحتسب ضمن الناتج الاقتصادي.
من هذا المنطلق، تؤكد رييد على أن النضال من أجل حقوق المرأة يجب أن يكون جزءا من النضال الأوسع ضد النظام الرأسمالي. فالتحرر الحقيقي للمرأة لا يمكن أن يتم إلا من خلال القضاء على الجذور الاقتصادية والاجتماعية للاضطهاد.
نقد الحركات النسوية البرجوازية
وتوجه إيفلين رييد انتقادات للحركات النسوية البرجوازية التي تسعى لتحقيق مساواة شكلية ضمن إطار النظام الرأسمالي. ووفقا لها، فإن هذه الحركات تركز على إصلاحات سطحية، مثل زيادة تمثيل النساء في المناصب العليا، دون معالجة الجذور العميقة للقهر. وترى بأن هذه الإصلاحات لا تخدم سوى شريحة صغيرة من النساء، وغالبا ما تكون على حساب الطبقة العاملة، لأن تمكين قلة من النساء لا يعني تحرير الأغلبية، بل قد يستخدم كأداة لإعادة إنتاج التفاوت من جديد.
دور المرأة في الثورة الاجتماعية
تشدد إيفلين رييد على أهمية دور المرأة في النضال الثوري، وترى بأن النساء، بحكم تعرضهن للاستغلال المزدوج كعاملات وكمعيلات، لديهن وعي حاد بطبيعة الظلم الاجتماعي. لذلك، فإن مشاركتهن في الحركات الثورية ليست فقط ضرورة، بل هي عامل حاسم لتحقيق التغيير الجذري.
وتشير رييد إلى التجارب التاريخية التي لعبت فيها النساء دورا قياديا في الثورات الاجتماعية، مثل الثورة الروسية عام 1917، مؤكدة على أن تحرير المرأة لا يمكن فصله عن النضال ضد الرأسمالية، وأن تحقيق الاشتراكية هو السبيل الوحيد لتحقيق مساواة حقيقية.
آفاق التحرر
ومن وجهة نظر إيفلين رييد، يتمثل الطريق إلى تحرير المرأة في بناء مجتمع اشتراكي يلغى فيه الاستغلال الطبقي والجندري. في هذا المجتمع، ستكون الموارد ملكا جماعيا، مما ينهي الحاجة إلى العمل غير المدفوع ويمكن النساء من المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وتتطلب هذه الرؤية حدوث تغييرات جذرية، تشمل:
- إعادة توزيع العمل: تقاسم العمل المنزلي والرعائي بشكل عادل بين الجنسين.
- التعليم والمساواة: توفير فرص تعليم متساوية للجميع، مما يمّكن النساء من تحقيق ذواتهن.
- إلغاء الفوارق الطبقية: بناء اقتصاد يلبي احتياجات الجميع بدلا من تعظيم الأرباح.
واخيرا، تقدم إيفلين رييد رؤية ثورية لقضية تحرير المرأة، تنطلق من تحليل ماركسي يربط بين اضطهاد النساء والنظام الرأسمالي. تؤكد رييد أن التحرر الحقيقي لا يمكن أن يتحقق من خلال إصلاحات سطحية أو حلول جزئية، بل يتطلب نضالا جماعيا لإعادة هيكلة المجتمع بشكل جذري، وإن النضال من أجل تحرير المرأة جزء لا يتجزأ من النضال من أجل العدالة الاجتماعية.