اخر الاخبار

تظل الرعاية الصحية للنساء في العراق أحد أبرز القطاعات التي تعاني من تراجع ملموس على مدى السنوات الماضية، على الرغم من أهمية دور المرأة في بناء المجتمع والأسرة. فالنساء يواجهن تحديات متشابكة تتراوح بين محدودية الخدمات وغياب التغطية الطبية الشاملة وارتفاع التكاليف في القطاع الخاص، في حين يفتقر القطاع الحكومي إلى التجهيزات والأدوية الأساسية.

تشير الإحصاءات إلى أن العديد من النساء، خصوصا في المحافظات الجنوبية والريفية، يواجهن صعوبة كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية المتخصصة، مثل متابعة الحمل والولادة، والفحوصات النسائية الدورية، ما يزيد من معدلات المضاعفات الصحية والوفيات المرتبطة بالحمل والولادة. ويؤكد أطباء أن غياب التوعية الصحية المناسبة وزيادة الضغط على المستشفيات الحكومية من أبرز أسباب هذا التردي.

ولعل أحد أبرز التحديات هو ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة، حيث تضطر المرأة، خصوصا من الطبقات المتوسطة والفقيرة، إلى دفع مبالغ باهظة مقابل فحوصات أو عمليات بسيطة، ما يجعلها عرضة للإهمال أو تأجيل العلاج إلى حين توافر القدرة المالية. وتضيف هذه المعوقات عبئا إضافيا على الأسرة، وتؤثر بشكل مباشر على الأطفال والزوجين.

كما أن النظام الصحي في البلاد لا يوفر حماية كافية للنساء العاملات، سواء في القطاع العام أو الخاص، إذ لا توجد برامج شاملة للضمان الصحي أو رعاية ما بعد الولادة، بينما يغيب الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المصابات بأمراض مزمنة أو حوادث صحية مفاجئة.

يقول أطباء ومراقبون، إن اعتماد الحلول المؤقتة أو التعامل الجزئي مع هذه القضايا يزيد من معاناة المرأة ويضعف القدرة على الحفاظ على صحتها وصحة الأسرة.

وتشير الناشطات النسويات إلى أن هناك فجوة كبيرة بين التشريعات المعلنة والواقع الصحي، إذ لا تزال المرأة تواجه تحديات ثقافية واجتماعية تحول دون حصولها على الرعاية الصحية الكاملة، مثل معوقات الوصول للمراكز الصحية في بعض المناطق الريفية، أو رفض بعض العائلات السماح للمرأة باستشارة الطبيب، خاصة فيما يتعلق بالصحة الإنجابية.

وفي الوقت نفسه، يرى خبراء أن تحسين الرعاية الصحية للنساء لا يقتصر على زيادة عدد المستشفيات أو توفير الأدوية فقط، بل يشمل تطوير برامج التوعية الصحية، وتدريب الكوادر النسائية الطبية، وتأمين خدمات الصحة النفسية والدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى تعديل السياسات الحكومية لضمان وصول المرأة إلى الخدمات الأساسية دون تمييز أو تكلفة عالية.

إن الرعاية الصحية للنساء في العراق ليست رفاهية، بل ضرورة حيوية تؤثر مباشرة على بناء الأسرة والمجتمع. وبغياب إصلاحات عاجلة ومستدامة، ستستمر الفجوات الصحية في تعميق معاناة المرأة، وزيادة معدلات الأمراض والوفيات، وهو ما ينعكس سلبا على المجتمع ككل. لذلك، فإن تعزيز الرعاية الصحية للنساء يجب أن يكون أولوية حقيقية، تشمل التمويل الحكومي، دعم القطاع الخاص المنظم، وخلق بيئة آمنة ومتاحة للمرأة، للحصول على الخدمات الصحية التي تضمن لها حياة كريمة ومستقرة.

عرض مقالات: