يقول فريدريك إنجلز في جوابه على سؤالٍ حول إمكانية إلغاء الملكية الخاصة بالوسائل السلمية، أي دون الحاجة إلى الثورة والكفاح المسلح، إن "من المستحسن أن يتم إلغاء الملكية الخاصة سلميًا، والشيوعيون بالتأكيد هم آخر من يعترض على هذه الطريقة." ويضيف أن الشيوعيين: "يدركون جيدًا أن الثورات لا تُصنع عمدًا وبإرادتهم."
ويتضح للقارئ عند قراءته لجواب إنجلز أمران مهمان:
- لا يعارض الشيوعيون الحل السلمي لإلغاء الملكية الخاصة، التي يصفها إنجلز بأقصر طريق للثورة الاجتماعية.
- ليست الثورات العنيفة من صنع الشيوعيين، وقيامها ليس بإرادتهم.
أي إن خيار الحل السلمي موجود منذ بداية نشوء الماركسية، وهو الخيار الأنجع للتطبيق إذا كان الأمر منوطًا بالشيوعيين أنفسهم. فالثورات العنيفة واشتداد الصراع الطبقي عبر التاريخ، كانا نتيجةً لأفعال الطبقات المستغِلة السائدة، التي تلجأ إلى العنف لقمع جميع أشكال تنظيم العمال لأنفسهم ولمّ شتاتهم، فتجبرهم على اللجوء إلى العنف المضاد لإحداث الثورة الاجتماعية وإلغاء الملكية الخاصة.
وقد أدت التجارب التاريخية التي لم تشهد حلاً سلميًا للصراع الطبقي، إلى الاعتقاد بأن الحلول السلمية ما هي إلا نوع من الطوباوية، خاصة بعد تطور الرأسمالية إلى مرحلة الإمبريالية، والحروب التي شنتها لفرض السيطرة واستغلال ثروات الشعوب، وتعمّق التناقضات الطبقية في المجتمعات الصناعية، وبين المراكز الرأسمالية والدول النامية، وظهور دول عمالية كالاتحاد السوفيتي ودول الديمقراطيات الشعبية، واحتدام الصراع الطبقي على الصعيد الدولي.
غير أن التغيرات التي يشهدها تطور الرأسمالية، وخضوع البرجوازية فيها لنضال الشغيلة، واضطرارها لتحقيق جزء من مطالب العمال، كتخفيف القيود على التنظيمات العمالية، وتقليل عدد ساعات العمل، وتوفير بيئة عمل سليمة وصحية ملائمة لكرامة العمال، وتطور المجتمع المدني، والنقابات، والمنظمات، والأحزاب، والحركات الشعبية، جعلت من الحل السلمي والنضال البرلماني سبيلًا أكثر واقعية من أي وقت مضى.
إن الفكر الماركسي، الذي يدعو إلى تبني أشكال متعددة من النضال، منها العنيف، والسياسي، والاقتصادي، وغيرها، يحمل في طياته أسس مفاهيم المدنية، والديمقراطية، والمواطنة، والعدالة الاجتماعية، التي يناضل سائر تقدميي العالم من أجل تحقيقها. وبالتالي، فإن الرؤية الجامدة التي تنص على أنه لا يمكن تحقيق المجتمع اللاطبقي إلا بالثورة المسلحة وجميع أشكال العنف المسلح، تبدو غير دقيقة اليوم، خاصة وأن الديمقراطية تبقى من أبرز أهداف الشيوعيين، إلى جانب العدالة الاجتماعية، على طريق مجتمع خالٍ من الملكية الخاصة المستغِلة، مجتمع يحكم فيه الشعب نفسه بنفسه. ولنا في مقولة لينين: "لا يمكن تطبيق الاشتراكية إلا عبر الديمقراطية"
خيرُ دليل.
نستنتج من خلال ما قرأناه أن إنجلز قد وضع أمام الشيوعيين مساحة واسعة لوضع استراتيجية التغيير، وعرضها على التجارب التاريخية، وتحليل هذه التجارب، واستخلاص منافعها، ونقد أخطائها.