اخر الاخبار

الدكتور داريو إل ماتشادو رودريغيز هو أستاذ الفلسفة في الجامعات الكوبية وعضو هيئة تحرير مجلة “كوبا الاشتراكية”، نشر له موقع “شيوعيون” الألماني بحثا ضافيا، تناول فيه الإجابة على سؤال “ماذا يعنى أن تكون يساريا اليوم؟”. يميز فيه بين “الاصطفاف مع اليسار” وان “تكون يساريا”: “إن تعريف اليسار، بمعنى أنه يسار، يجب، في رأيي، أن يشمل صفات وخصائص مثل معاداة الرأسمالية، والعلمية، والتكاملية، والأخلاقية، والثورية، والنشاط والابداع، والأممية. هذه الخصائص أو الصفات تستحق التوضيح، وهذا ما سأفعله في الصفحات التالية”.

الكاتب ينطلق من أن “الإنسانية اليوم تواجه مشاكل خطيرة تهدد وجودها، والأمر الأكثر إلحاحًا هو ايقاف الانحدار الى الهاوية، وبالتالي” جميع الأيدي لا تزال قليلة جدًا “. لكن هذا لا يلغي الأسئلة العديدة التي تظهر باستمرار حول المشاكل الأكثر إلحاحًا: هل هناك اختلافات جوهرية بين منطق الليبرالية الجديدة والمنطق العام للرأسمالية؟ هل تنتهي الإمبريالية مع الفشل الواضح لليبرالية الجديدة اليوم؟ إذا أدت الرأسمالية الليبرالية إلى الإمبريالية والليبرالية الجديدة، فما هو للتطور الإيجابي، الذي يمكن ان تتوقعه الإنسانية من رأسمالية ليست ليبرالية جديدة؟ وإذا كانت المشكلة الأساسية هي الرأسمالية كنظام، فما هي المهام التكتيكية الملقاة على عاتق اليسار؟

يحدد الكاتب التغلب على الطائفية (بمعنى التعصب والانغلاق) كأحد التحديات الكبرى: “ليس من النادر أن يكون أكبر ضعف لليسار في القرن الماضي، وحتى اليوم، هو تقديم عالم لا يمكن الوصول إليه تمامًا وغير مفهوم للآخرين، ليس بسبب جهل الآخرين، ولكن بسبب تجاهل اليسار، وعدم استطاعته أن يشرح لنفسه أو للآخرين دروب المشاعر الإنسانية ...

والطائفية كانت احدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبها اليسار في القرن الماضي، ورؤية نفسك على أنك “الطليعة”، وافتراض إما يكون معك أو ضدك. كانت وجهة النظر هذه، التي انتشرت في جميع أنحاء العالم داخل اليسار في القرن العشرين، سببًا للانشقاق ، وإهدارًا للوقت والطاقة في العديد من المناقشات العقيمة، وانعدام الشفافية، كما مثلت عائقًا أمام المعرفة (كابحا للتعلم) بشأن المشاكل الحقيقية. ان رفض العديد من الجماعات اليسارية الحجج الجديدة لمجرد أنها لا تتوافق مع العقائد المفترضة، حجب عنها فهم دوافع تلك الجماعات التي ادعت أيضًا وجود مساحة لها في النضال ضد الرأسمالية. لقد أعلن اليسار المتغطرس نفسه “مكة “التغيير الثوري، لكنه لم يقبل تغيير ذاته. هذه الرؤية العقائدية والطائفية حالت دون رؤية الآخرين كما هم بالفعل، أي حفار القبور الجدد (للرأسمالية) الذين ظهروا من الرأسمالية وتناقضاتها الداخلية غير القابلة للحل ...

لا يمكن للطائفية أن تنقل المعرفة العميقة لهذه الحقيقة، فالناس يتعاملون بدونها. ويجب صياغة سياسة تمكين القوى التقدمية بشكل جماعي، مع أوسع مشاركة ممكنة لجميع المناهج والمصالح، بروح تكيف (هذه القوى)، دون قيود، دون هرمية، والاعتراف بأن لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة وأنه يمكننا ويجب علينا أن نتعلم من الجميع”.

ودعا الكاتب اليسار إلى تطوير نظرة علمية للعالم: “تكمن إحدى النضالات الرئيسية في مواجهة الرأسمالية اليوم في الحاجة إلى استعادة رؤية علمية من شأنها أن تساعد في توضيح التفاعلات في العمليات الاجتماعية اليوم ... إذا لم يجد المرء تفسيرًا علميًا للواقع الموصوف أعلاه، إذا لم يدرس المرء العمليات التي أدت إلى الأزمة الحضارية الحالية (والتي تؤثر اليوم على وعي وسلوك الناس)، إذا لم يأخذ المرء بعين الاعتبار الحالة الاجتماعية الصحيحة. - الهياكل الاقتصادية والسياسية التي وصلت إلى مستوى الهيمنة النموذجي للرأسمالية المتأخرة، لن يتمكن من تحقيق تجميع إرادة الكثيرين أو خلق الوعي لدى الناس “. والكاتب يرى أن الماركسية هي “أفضل نقطة انطلاق” لنقد الرأسمالية. ويضيف: “.. لكن وجهة نظر ماركس كانت نظرة شاملة، كما هو الحال في الكاريكاتير، لا يمكن استبعاد بعض جوانبه، بشكل إرادوي وتفضيلي”.

بالنسبة إلى ماتشادو، هذا يعني أيضًا “أولوية التأهيل السياسي الذي يشمل جميع الثوار. تأهيل يجب أن يكون ابداعيا في جميع النواحي، سواء في محتواه أو في شكل تنفيذه. وما يؤسف، تجري ممارسة التأهيل، في الغالب، بتكرار العموميات، بلغة قديمة، وكأن شيئًا في هذا العالم لم يتغير، وهذا يشكل تحديًا لليسار ليكون مبدعًا مرة أخرى، وليتعرف على نفسه أكثر، وليعزز وعيه، على اساس المواجهة اليومية للروح النضالية الثورية في مواجهة حياة المجتمع اليومية ، لذلك ليس لليسارخيار آخر سوى ترك متاهة أساطيره وأخطائه وشبكاته العقلية الثابتة، ان الإبداع يعني دائمًا قطيعة مع القديم، ولكن  يعني الاستمرارية أيضًا”.

يشدد ماشادوعلى أن “وحدة التفكير والعمل هي عنصر أساسي في العلم”. لذلك، يجب أن يكون “فكر اليسار المناهض للرأسمالية، مصحوبا بالفعل. ان “اليسار” الذي يفكر فقط ويطور الحجج ووجهات النظر، لكنه لا ينشط سياسيا عمليًا، ولا يخاطر، ويراقب المشاكل فقط، وآرائه مثقلة بحكم الأمر الواقع بسبب الافتقار إلى الفهم العملي، تكون آرائه قليلة الفائدة، أو لا تفيد المجتمع بل تؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية. ولا جدوى من ملء الصفحات وإضاعة الوقت في صنع الثورات على الورق أو في الخطب (التي تلقى). ان العلاقة بين التفكير وممارسة الفعل تمثل مبدأ وجود اليسار كقوة تغيير”.

ويرى ماتشادو، إن وحدة الفكر والعمل تشمل أيضًا وحدة العمل والأخلاق: “يجب أن يتصرف اليسار دائمًا وفقًا لما يفكر به ويقوله. وإن أخلاقيات القناعات تدلل على نفسها في الممارسة السياسية فقط. وكما يقول فيدل كاسترو، الاشتراكية هي علم المثال. لذلك يجب أن يقال، على حد تعبير إيزابيل راوبر (اكاديمية ارجنتينية)، أنه “من أجل التغيير يجب أن نتغير”. وهذا يعني أن البناء المنهجي لعالم جديد داخل أنفسنا، يبدأ في الحركة الثورية، في سلوك كل فرد مشارك في تلك الحركة، في بناء نوع جديد من العلاقة داخل الحركة نفسها، التي تتبنى ممارسة جديدة، سلوكًا مختلفًا يعبر عن الأخلاق الجديدة”.

عرض مقالات: