اخر الاخبار

يعتبر دور الشباب قضية مهمة وموضوعية، وقد كان في مركز مناقشات مؤتمرنا الأخير (مؤتمر حزب العمل البلجيكي -المترجم).

اسمحوا لي أن أقدم لكم بعض الأفكار حول هذا الموضوع.

1 -دور الشباب – لا تغيير اجتماعي بدون الشباب

يلعب الشباب دورًا مهمًا في جميع الحركات الجماهيرية الكبرى تقريبًا، سواء كان ذلك في ثورات القرن العشرين، ام في المقاومة ضد الفاشية، ام في النضال ضد الاستعمار ام في فرنسا في ايار 1968، وكان هذا صحيحًا طيلة القرن العشرين، ولا يزال صحيحًا اليوم بالنسبة لحركات مثل الربيع العربي أو احتجاجات المناخ العالمية أو في حركة “ حياة السود مهمة”.

بدون الشباب ليس هناك تغيير اجتماعي. الطبقة العاملة - بسبب موقعها في عملية الإنتاج وتنظيمها وتقاليدها النضالية - هي الطبقة الوحيدة القادرة على قيادة وتنفيذ تغيير اجتماعي حقيقي. لكن الشباب، كمجموعة اجتماعية، لديهم القدرة على إطلاق هذه النضالات وتعزيزها. ان مبادرة الشباب وإبداعهم سلاح قوي. وبهذا المعنى يمكننا أن نقول إن الذين يكلون عن النضال من أجل الشباب، يكلون أيضًا عن النضال من أجل التغيير المجتمعي

2 -شباب اليوم – أربع  خصائص

الشباب ليسوا مجموعة متجانسة. مثل المجتمع، فهي مليئة بالتباينات الطبقية الكبيرة. في الوقت نفسه، يعتبر الشباب فئة اجتماعية خاصة تعرف بأعمارها وتتغير وتتطور بسرعة. ولكل جيل رموزه الخاصة، عاداته، لغاته، طرقه في التفاعل، ومرجعياته الثقافية.

 يتمتع جيل الشباب اليوم بأربع خصائص أساسية:

1 - تواجه الشبيبة بقوة، أزمة النظام الرأسمالي وأوجهها المختلفة اقتصاديا ومناخيا وعسكريا واقتصاديا، تعمق الاستغلال. ويشكل الشباب الصف الأول في سوق العمل، الذي يتسم بالبطالة وعقود العمل غير المستقرة والمرونة (بالنسبة لأرباب العمل – المترجم) والتضخم والعمل المؤقت. و في عمر يرغب معظم الشباب فيه في تكوين أسرة، يمكنهم تحمل تكاليف السكن وسبل العيش الشخصي فقط. وفي أحياء الطبقة العاملة، يواجه الشباب عنف الشرطة والعنصرية في سن مبكرة. كما تركت جائحة كورونا بصماتها. واليوم، تؤدي أزمة الطاقة وأزمة الغذاء العالمية إلى تفاقم وضع جميع الشرائح، بما في ذلك الشباب. وتواجه الأجيال الشابة في أوروبا الغربية آفاقا كئيبة، وبالتالي يعيشون حياة أسوأ من حياة آبائهم.

لقد أصبحت أزمة المناخ أكثر وضوحا. ومنذ زمن، عواقبها المأساوية واضحة في بلدان الجنوب، لكنها تتجلى بشكل متزايد هنا في أوروبا ايضا. تتتابع موجات الحر وحالات الجفاف القياسية عامًا بعد عام، ونشهد كوارث طبيعية مثل الفيضانات العظيمة في بلجيكا في صيف عام 2021. ونسير في التعامل مع قضايا المناخ في طريق مسدود، وأسرع مما توقعه العلماء. تؤدي أزمة المناخ العالمية إلى جعل الظروف المعيشية لمليارات من البشر محفوفة بالمخاطر وتثقل كاهل مستقبل الأجيال القادمة. ويستند الوعي المناخي للأجيال الشابة على هذه الحقيقة الموضوعية. وهذا يؤدي إلى تعبئة متنامية.

تضع الأحداث في أوكرانيا شباب أوروبا في مواجهة واقعية مع الحرب. وهي حقيقة يعرفها عمليا الشباب في قارات أخرى. وفي الوقت نفسه، توضح لنا كيف أن المواجهة الأمريكية مع الصين تزيد، بشكل متفاقم، من خطر نشوب حرب عالمية، الأمر الذي يقلق الشباب قبل غيرهم.

كل هذه الأزمات تؤثر على عموم الطبقة العاملة، وعلى الشباب بشكل خاص. على سبيل المثال التدابير التي تم اتخاذها خلال جائحة كورونا. في أحلك لحظات الأزمة، التي اتسمت بفرض القيود والإغلاق، عانى الشباب الكثير: تم إغلاق المدارس، وكذلك المرافق الرياضية

وأماكن التجمع والمرافق الثقافية. البشر مخلوقات اجتماعية، والشباب، بحاجة إلى دعم بعضهم البعض وتطوير قدراتهم. ولكن عند اعتماد إجراءات صحية صارمة، كان الشباب أول من تم التضحية به، وآخر من يتم دعمه. لقد تركت الازمة طيلة هذه الأشهر والسنوات ندوبًا طويلة الأمد.

2 - لقد أتقن الشباب استخدام وسائل التواصل الحديثة، وان سبل تواصلهم بالعالم مختلفة تمامًا. ونتيجة لذلك، أصبحت النضالات عالمية بشكل متزايد.

نشأ جيلنا مع الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة، التي تفتح إمكانيات جديدة غير مسبوقة للتنظيم والتواصل. في عالم تتطور فيه التكنولوجيا بشكل متسارع. تزداد أهمية جيل الشباب أيضًا، لأنه يتعين علينا التعلم منهم أكثر بكثير من ذي قبل.

يؤدي التقدم التكنولوجي أيضًا إلى انتشار عالمي للحركات الاجتماعية، كما تبين ذلك في السنوات الأخيرة، في الإضرابات، الحركات المناخية، او حركة “حياة السود مهمة”. لقد تخطى تأثير هذه الحركات ما هو أبعد من الحدود الوطنية.

3 - ما يميز الشباب عدم حسم خياراتهم الحياتية بعد، والكثير منهم لم يبدأوا في تكوين أسرهم، ولا تزال الحياة مفتوحة أمامهم، ولا يتأثرون بالروتين المعتاد وارث الماضي المعيق. ويجرؤ الشباب على التساؤل عما يبدو غير قابل للتغيير. وهم مصدر مهم للمبادرة والمشاركة والاحتجاج.

4 - يتزايد تنوع الشباب البلجيكي. في المدن الكبيرة، ثلاثة أرباع المواليد اليوم ينحدرون من أصول أجنبية. وهذا يختلف تمامًا عن واقع الأجيال السابقة، مما يجعل الشباب أكثر إحساسا بالتمييز، ورغبة في مكافحة العنصرية.بعض هذه السمات نموذجية للشباب من كل جيل. وبعضها الآخر ينحصر فقط بشباب القرن الحادي والعشرين. وتُشكل هذه السمات أساس إمكانات للشباب الثورية.

3 - النضال لكسب الشباب

لم تعد الرأسمالية قادرة على تقديم مثل عليا للشباب. في السابق، كانت البرجوازية لا تزال لديها نظرة معينة للعالم. وهي اليوم غير قادرة حتى على طرح رؤية مجتمعية متماسكة. العلم مجزأ في قطاعات منعزلة، والاستجابة للأزمات تتأخر. ويشعر الكثير من الشباب بهذا.

ومخاوف المؤسسات المهيمنة تتزايد بشكل واضح. في عنوان نشر أخيرا في صحيفة فاينانشيال تايمز: “جيل الألفية يقطع مع القاعدة القديمة ويتوقف، مع تقدم العمر عن التوجه نحو اليمين” (30 كانون الأول 2022). وتبين دراسة بالاعتماد على معطيات من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن جيل الألفية، الجيل الذي أصبح مسيسًا في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، يميل إلى اليسار، واقتصاديا يميل الى إعادة التوزيع من الأغنياء إلى الفقراء. وتظهر الدراسات أيضًا أنه على الرغم من الدعاية اليومية، فإن النظام الاقتصادي الرأسمالي أصبح أقل جاذبية للشباب، بينما أصبحت كلمة “اشتراكية”، حتى في الولايات المتحدة، شائعة (مرة أخرى).

على اساس هذه الخلفية، تسارع القوى البرجوازية النضال لكسب الشباب. إنهم ينشرون رؤيتهم للعالم ونماذجهم التجارية القائمة على الفردية والاستهلاك والمنافسة والأنانية. ويفرضون اختيارًا اجتماعيًا هائلاً على المستوى التعليمي، يؤدي عمليا الى ضياع الكثير من المواهب. هدفهم هو كسب أكبر عدد ممكن من الشباب وغرس الاستسلام والإحباط والشعور بالعجز الجماعي في نفوس الجميع. لأن المشاكل الاجتماعية التي تسببها الرأسمالية تؤدي إلى مزيد من التشاؤم بين الشباب، الذين يفقدون الثقة في إمكانية مستقبل أفضل.

ويقابل هذا في أوقات الأزمات دوما، صعود قوى اليمين السياسي والديني، التي تسعى إلى استمالة الشباب أيضا، والرد على التشاؤم وغياب الهوية الجماعية، بتقديم هوية قائمة على العنصرية والقومية. والعنف، ورفض التنوع، رؤية مجتمعية تحجب التناقضات الطبقية.

إذا لم نقدم بديلاً اجتماعياً، فسيختار الشباب الفردية أو العدمية أو اليمين المتطرف. ان التحدي الذي يواجه القوى التقدمية هو خوض هذه المعركة والانتصار فيها. وهذه فرصة تتيح الانفتاح، فهناك عدد هائل من الشباب يبحثون حاليًا عن رؤية تحررية للعالم. نظرة أممية يتم فيها ضمان الحقوق والخدمات الجماعية بحيث يمكن للجميع أن يجدوا ذواتهم، ويطوروا مواهبهم. رؤية تعارض أي شكل من أشكال التمييز سواء كان ذلك على أساس العرق ام الجنس او أي سبب آخر. رؤية مبنية على “نحن” الجماعية، و “نحن” الموحدة، و “نحن” صانعو الرفاه، و “نحن” الطبقة العاملة.

الأزمة الاقتصادية. أزمة المناخ. الحروب الامبريالية. هذه كلها نتائج للنظام الرأسمالي، وفي إطار هذا النظام لا توجد حلول دائمة لهذه المشاكل. يعتمد الأمر على قدرتنا في كسب الشباب، وترسيخ هذا الوعي. وكيف نجعل قضية المناخ قضية طبقية وشرح كيفية ارتباطها بالنظام الاقتصادي الحالي. لقد أظهر استطلاع أجريناه بين الشباب في بلجيكا أن المناخ هو الشغل الشاغل لهم، إلى جانب قضية العنصرية، وأنهم يعتقدون أن الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى هي المسؤولة الرئيسة. إنهم منفتحون على تحليل مناهض للرأسمالية. إن مهمتنا هي استخدام هذه الإمكانات وأن نقدم للشباب منظورًا تحرريًا، ومحررا.والشرط الأول لذلك هو الوعي. في مؤتمرنا الأخير أشرنا إلى نقص في الوحدة حول هذه المسائل واستيعابها. نريد تحسين ذلك في السنوات المقبلة.في عالم متغير، نحتاج كحزب طاقة الشباب والتزامهم وتصميمهم ورشاقة تعاملهم مع التقنيات الجديدة.يحتاج حزبنا الشباب، والشباب بحاجة إلى حزب يمكنه توجيه وتعميق رغبتهم في التغيير، وتغذية طاقتهم، وربطهم بحركة التحرر الأوسع للطبقة العاملة.

4- ضرورة التجديد – لنصبح حزب الشباب

اثبتت التجربة أن الشباب يجذب الشباب الآخرين، فنحن بحاجة إلى حزب شاب، للوصول إلى الشباب. في مؤتمر الحزب الأخير، ناقشنا بالتحديد الآليات التي تبطئ عملية التجديد واتخذنا سلسلة من التدابير:

كوتا للشباب دون سن الثلاثين، لا تقل عن 10 في المائة في مجلس الحزب الوطني ومجالس المحافظات التابعة للحزب، تشكيل لجنة للشباب في المجلس الوطني للحزب، تحميل الشباب مسؤولية اتخاذ القرار، ودعم وجود متحدثين شباب للحزب، تجديد نظام اتصالاتنا وتواصلنا، تجديد شباب المنظمات القاعدية، وتشكيل تنظيمات قاعدية مؤقتة للرفاق الشباب، والاستثمار في دعم منظماتنا الشبابية الثلاث: منظمة الاشبال (للأطفال)، ومنظمة روت فوكس (الثعلب الأحمر) للتلاميذ، منظمة كوماك (للطلاب). (ومختصر الاسم يعكس طبيعة المنظمة: التغيير، التفاؤل، ماركسي، نشط، مبدع – المترجم).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*- مساهمة تشارلي لو بيغ، القيادي في حزب العمل البلجيكي، قدمت في منتدى الشباب للمؤتمر الدولي للتوازن العالمي، المنعقد في هافانا (25 كانون الثاني 2023).

عرض مقالات: