تعرض الكثير من سير ونتاجات عدد من القادة والمفكرين في الحركة الشيوعية إلى تقييمات غير موضوعية، ووضع البعض منها على الرف، او اجتزأ بما يتلاءم مع السياسات السائدة في البلدان الاشتراكية السابقة، او وظفت في خضم الصراع مع الغرب لأغراض دعائية ضيقة، فضلا عن عدم تسليط الضوء على محطات ومواقف تاريخية لهذه الشخصيات، ولعل ابرز الأسماء المتداولة روزا لوكسمبورغ، غرامشي، وتروتسكي، وعدد من الأسماء المعروفة بشكل محدود للقارئ العربي، والتي لم يتم الاهتمام بترجمة نتاجها، او الإشارة إلى مواقفها لنفس الأسباب التي مر ذكرها.

في حوار نشرته جريدة نويز دويجلاند، في 19 حزيران 2023، يكشف الدكتور يورن شوتروب*، حقائق جديدة عن رؤى ومواقف كلارا زيتكين، ومعلومات إضافية عن شخصيات نسوية شيوعية أخرى.

يشير شوتروب إلى عثوره مع محررة المجلد الأول من كتاب رسائل كلارا زيتكين مارغا فويكت، على عدة حقائق غير معروفة. وذكر اثنين منها: الأولى وجود صراع سياسي حول شخصية كلارا في مدينة توبنغن الالمانية، حيث تدور حرب ثقافية حول مؤسسة الحركة النسوية الاشتراكية، التي تهدف إلى المساواة السياسية والاجتماعية معا. وجدت لجنة من المؤرخين عينها مجلس بلدية المدينة أن هناك نازيين بين المتبرعين للعناية بلوحات أسماء شوارع توبنغن واتهم مجلس المدينة اللجنة المعينة، بانها لا ترى في العين اليسرى، بعد العثور على شارع قصير للغاية في إحدى ضواحي المدينة يحمل اسم كلارا زيتكين، تم اطلاقه في الثمانينيات، واقترح المجلس وضع جملة إضافية في اللوحة: “ كلارا زيتكين مناهضة للديمقراطية”. إذا افترضنا أن الدفاع عن الحقوق المتساوية لنصف البشرية أمر غير ديمقراطي، فهؤلاء الناس على حق.  وعلى إثر ذلك انطلقت في المدينة مبادرة ترفض هذه الإضافة، تمكنت من جمع أكثر من ألف توقيع.

والثاني أكثر تعقيدًا: في صيف عام 1922، تطوعت كلارا زيتكين للمشاركة في محاكمة منافسي البلاشفة، الاشتراكيين الثوريين، والذين يطلق عليهم في الغالب ثوريون اجتماعيون للتقليل من شأنهم، كمدعية، كانت كلارا تعلم، بمطالبة لينين بإدراج عقوبة الإعدام في قانون العقوبات لغير المرغوب فيهم سياسيًا، والذي تم في الأول من تموز1922. ليس كلارا زيتكين وحدها فقط، بل كان اليسار الأوروبي كان دومًا ضد عقوبة الإعدام. البلاشفة، بين قوى اليسار، الذين تعرضوا للعنف الشديد في الحرب الأهلية، استخدموا فوهة البندقية للتعامل مع المعارضة. كان هناك رسالة من كلارا زيتكين مؤرخة في 29 تموز 1922، حاولت فيها أن توضح للبلاشفة أن سياساتهم تدمر في النهاية جاذبية الفكرة الاشتراكية. وكانت الترجمة الروسية متاحة في اليوم التالي فورا. لم يتم تنفيذ عقوبة الإعدام بالمتهمين. بالإضافة إلى ذلك، تم التخلي عن خطط تصفية مثقفين معارضين. وبدلاً من ذلك، رحلوا مع عائلاتهم بدأ من نهاية آب على متن سفن إلى شتيتين وتركيا. لقد كان شيئا فظيعا ايضا، لكن لا مزيدا من الموت. في عام 1921، كان على كلارا زيتكين أن تختار بين مكانها في تاريخ العالم، وبعض التأثير الإيجابي على البلاشفة، فاختارت الاحتمال الثاني. لقد تم اكتشافها في الستينيات مجددا، خارج الحركة النسوية الشيوعية الحزبية. لقد كان لها تأثير ايجابي معتدل على البلاشفة، وكذلك المكانة التي تستحقها في تاريخ العالم اليوم أيضا.

الاهتمام بالمناضلات الشيوعيات

هناك أسماء نسوية في الحركة الشيوعية الأوربية ذائعة الصيت عالميا مثل روزا لوكسمبورغ، كلارا زيتكن، والكسندرا كوانتياي. لكن نساء مثل بيرتا تالهامير (1883 – 1959)، شيوعية المانية، إينيسا آرماند (1874 – 1918)، شيوعية فرنسية – روسية كانت مقربة جدا من لينين، وروزي فرولش – فولفشتاين (1888 – 1987) شيوعية المانية، أصبحت عام 1929 خارج الحزب الشيوعي، وعملت في تنظيمات يسارية أخرى، هذه الأسماء لا يعرفها في الغالب الا المختصون. لقد شكلن تحديا، ولعل الأبرز بينهن انجليكا بالابانوف (1878 – 1965)، التي كانت تجيد 10 لغات وكانت السكرتيرة الأولى للأممية الشيوعية، ولكنها اختارت عام 1921 المهجر، لخلافات سياسية مع البلاشفة. ويعود عدم معرفة الجمهور اليوم بهذه الأسماء، لاحتكار الرجال المواقع التنظيمية الأولى في الأحزاب، وحتى في جمهورية المانيا الديمقراطية، التي اتبعت نهجا تحرريا نسبيا، وصلت النساء فقط لموقع عضو مرشح للمكتب السياسي فقط.

الإرث النضالي واليمين المتطرف اليوم

عند العودة للإرث النضالي لهذه الرموز النسوية نجد ان بعضهن قدمن مساهمات متميزة في مواجهة الفاشية حينها، لاتزال معينا للنضال اليوم ضد الفاشية الجديدة واليمين المتطرف. ويمكن الإشارة إلى أول تحليل ماركسي قدمته كلارا زيتكين في خطابها في الاجتماع الموسع للأممية الشيوعية قبل 100 عام، لقد كان تحليلا رائعا وأشر أن الأرض التي تسير عليها فاشية الليبرالية الجديدة غير آمنة. لقد جعلت الليبرالية الجديدة في العقود الماضية المجتمعات الغربية فاقدة “لصمام الأمان”.  لا يمكن للسياسة اليسارية، ان تكون يسارية حقا، اذا لم تعزل العنصرية وشعاراتها المعروفة، وتجعل التضامن بديلا يمكن ان يعاش. وهناك أيضًا تحليل رائع لأنجيليكا بالابانوف للفاشية الإيطالية، والذي للأسف لم يُنشر مرة أخرى. بالمناسبة، بينيتو موسوليني، عندما كان لا يزال أحد أبرز اليساريين الإيطاليين، تعلم السياسة منها قبل الحرب العالمية الأولى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الدكتور يورن شوتروب: موالد 1956، درس التاريخ في جامعة كارل ماركس في مدينة لايبزيغ، عمل باحث في أكاديمية العلوم في جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة. ومؤلف العديد من الكتب، منها ما تناول فيه، سير جيني ماركس والشيوعي البولوني – الألماني باول ليفي;

عرض مقالات: