كتاب المناضل سليم اسماعيل البصري «أبو عواطف أو أبو يوسف» المعنون (الصراع مذكرات شيوعي عراقي) الصادر في عام 2006 من دار المدى للثقافة والنشر، يتكون من 447 صفحة من القطع الكبير.

يتميز الكتاب بأحداثه الكثيرة الممتعة والمتشعبة التي مرت علي الكاتب وعلى شعبنا كونه أحد المناضلين الشيوعيين الذي عانى من الملاحقة والقمع والسجن والاضطهاد.

يحتوي الكتاب 24 فصلا لعناوين مختلفة ومن خمسة اقسام. في القسم الأول يتناول الكاتب حادثة هروبه من سجن نقرة السلمان مع اثنين من السجناء (كاظم فرهود وآخر اسمه علي) ومطاردة الشرطة لهم في قرى السماوة ومدينة الخضر (مدينة الشهيد محمد الخضري). ثم يتحدث عن البصرة والمشاركة في أول المظاهرات وعن سجن الكوت ومجزرة سجن بغداد ونقرة السلمان ثم يتحول للحديث عن سجن بعقوبة ومحاولة الهروب ثم العودة إلى بادية نقرة السلمان وفترة المراقبة والالتحاق بالخدمة العسكرية في معسكر قتيبة بالشعيبة والهروب منه. إضافة إلى القسم الثالث وفصوله عن ثورة 14 تموز 1958 ثم القسم الرابع انقلاب البعث في 8 شباط الاسود عام 1963.

اما القسم الخامس الذي يتكون من سبعة فصول فيتحدث فيه عن الكونفرس الثالث 1967 والمؤتمر الثاني ايلول عام 1970 حتى التحاقه في الكفاح المسلح في عام 1980 ويتحدث ايضا عن بشتاشان والتحضير للمؤتمر الرابع تشرين الثاني 1985 ثم يصبح سكرتير اقليم كردستان، وضرب النظام الدكتاتوري بالأسلحة الكيمياوية مقر قاطع بهدينان في زيوة التابع للحزب الشيوعي حتى خروجه من كردستان.

ولد المناضل ابو عواطف في مدينة البصرة عام 1935 ودخل المدرسة وهو في عمر 8 اعوام وينتمي إلى عائلة كبيرة ومعروفة وميسورة الحال إلا أن رب العائلة كما يذكر لم يكن يملك من حطام الدنيا سوى قوة عمله ويتحدث عن ظروف العائلة وإخوته وعماته..

ويضيف كانت احداث الحرب العالمية الثانية تنعكس على الناس وعلى الشباب منهم بوجه خاص، منهم من يروج للفاشية.. ومنهم من يروج للإنكليز باعتبارهم اعداء النازية وحلفاء الاتحاد السوفيتي. ويصف حياة الصبا وحبه لكرة القدم ولعبه مع اقرانه في البصرة تحت درجة حرارة 50 مئوية، إضافة إلى حبه للملاكمة فيقول (كنت اتدرب على الملاكمة في نادي الاتحاد الرياضي مع مجموعة من الملاكمين ومنهم (محمد هامل) العامل في شركة نفط البصرة وتومي توماس)، وكان بطل وزنه ونجاحه في مجال الملاكمة حتى أصبح من الملاكمين الجيدين وبطلا للمنطقة الجنوبية وحصل على كأس البطولة. ويعرج المناضل سليم اسماعيل على الظروف التي اثرت عليه من خلال ما شاهده من ظلم واستغلال من الاستعمار الانكليزي والشركات الاجنبية ،(كانت البواخر الاجنبية الكبيرة ترسو في شط العرب وتعمل ليل نهار محملة بخيرات بلادنا كالتمور والجلود والحنطة والشعير لتصنعُ وتعاد لنا بأضعاف سعرها ..كنا نرى العمال العراقيين في الميناء وهم يحملون بأيديهم تلك الثروات، يفرغونها ويحملونها من وإلى تلك البواخر ذات الجنسيات المختلفة، وبأجور يومية لا تزيد عن خمسين فلسا مقابل سد رمق عوائلهم، يعملون 8 ساعات من العمل المضني تحت أشعة شمس لاهبة درجات الحرارة بين 40 إلى 50 درجة، ويطلق على عمال الميناء هؤلاء اسم (المصاليخ- وهم فلاحون معدمون جاؤوا للبصرة هربا من جور الاقطاعيين يسترون اجسامهم بعباءة من الصوف في الصيف الحارق وهم شبه عراة).

ويصف انتماءه إلى الحزب الشيوعي، بتأثير صديق له اسمه عبد الوهاب(هوبي) الذي كان عسكريا في بغداد ورجع في اجازة إلى البصرة حيث تحدث له عن المظاهرات والاضرابات في بغداد، وعن طريق صديقه جميل نوري الذي زوده بالمنشورات السرية للحزب وكان يدفع له التبرعات. وبعد تعيينه في شركة نفط البصرة رشحه لعضوية الحزب ابن عمته الشيوعي المعروف على الشعبان في عام 1950-1951.

ثم تتناول فصول كتاب المناضل سليم اسماعيل بعضا من محطات حياته النضالية حتى أصبح مسؤولا عن اللجنة العمالية في النفط حيث تبدأ حياة الاختفاء والسجون والمطاردة والهروب.

من خلال قراتي للكتاب وسرد تلك الذكريات البطولية أشير إلى ثلاثة أمور في حياة هذا المناضل وهي صلب محتويات الكتاب.

مواقف الكاتب في السجون وهروبه أكثر من مرة

دخل المناضل سليم اسماعيل السجون وهو في عمر 18 عاما.. حيث يصف اول محاكمة (كان المعتقل في معسكر الرشيد إثر انتفاضة تشرين 1952 مملوءا بالموقوفين والمعتقلين بينهم المرحوم الاستاذ كامل الجادرجي.. وبهاء الدين نوري وصادق الفلاحي...لم تدم المحاكمة خمس دقائق أصدر بعدها الحاكم العسكري احكامه الجائرة ضدنا، صدر الحكم علي ثلاث سنوات مع سنتين تحت مراقبة الشرطة وعلى علي شعبان خمس سنوات. وبعد ان انتقلنا بين عدة مواقف سفرنا إلى سجن الكوت، كانت فكرة الهروب تراودني، ولكننا كنا انا وعلى مربوطين بالسلاسل سوية والحراسة علينا مكثفة. كان عدد السجناء 160 سجينا منهم العمال والفلاحون الذين انتزعوا من اماكن عملهم بتهم ملفقة، باعة وكسبة طلبة وجنود، من العرب والاكراد والإيزيدون والصابئة واليهود ومن مختلف مدن العراق، سجنوا وفق المادة 89أ (89 أ من قانون العقوبات البغدادي اضيفت للقانون حرمت المبادئ الشيوعية وما شاكل ذلك). كان عنصر التنظيم هو الشيء البارز في حياة السجناء وهي تقاليد توارثها السجناء من زمن الرفيق فهد الذي وضع أسسها وجرى الحفاظ عليها بتضحيات كبيرة. ص 110 ويتحدث الكاتب عن هذه الفترة حيث جرت محاولتان للهروب من سجني الكوت وبغداد 1952 و1953 فاكتشف السجانة في صباح يوم 11 شباط 1952 أن السجناء حفروا نفقا طوله 13 مترا، وان 14 سجينا قد هربوا واستطاع الرفيق جمال الحيدري عام 1953 الهروب من المستشفى بينما كان سجينا في سجن بغداد المركزي.

ويتحدث عن مجزرة سجن بغداد (ضربت قوات الشرطة في 18 حزيران 1953 طوقا على السجن، احتل رجال الشرطة بعدها سطوح السجن وبدأوا برمي السجناء بالحجارة والقنابل المسيلة للدموع، وعندما تجمع السجناء وسط الساحة فتحت خراطيم المياه اولا بهدف تفريقهم ثم بدأ إطلاق النار على السجناء العزل فسقط 8 شهداء وجرح 81 سجينا بعد مقاومة باسلة. نجحت السلطات بعدها في نقل السجناء إلى سجن بعقوبة المركزي إلا ان هذه المجزرة القذرة الهبت حماس الشارع العراقي.

مجزرة سجن الكوت

وجاء الدور علينا نحن سجناء سجن الكوت في 2/8/1953، حيث طلبت الادارة تفتيش السجن وكل التفاصيل الاخرى، رفضت لجنة السجن ذلك من خلال اجتماعات طارئة عقدت لكل الكوادر وتم رفض طلب تفتيش السجن وكان ممثلنا مع الادارة الرفيق عزيز وطبان، فأدى واجبه وبلغ الادارة برفضنا، لكنه لم يرجع الينا وانما حجز ونقل...قطعوا الارزاق والكهرباء والماء. ثم يتحدث عن المجزرة التي جرت بنفس طريقة مجزرة بغداد. كنا اكثر من 11 إلى 15 سجينا نعاني من نزف الدماء والكسور والرضوض التي تملآ اجسادنا مكدسين بعضا فوق الاخر. ويقول كانت اغاني الحزب الشائعة نغنيها اثناء الاحتفالات ..............يارايح للحزب خذني ..وبنار المعركة ذبني ..بركبتي دين اريد اوفي ..على الاعوام اللي مضت مني.

ويصف في الكتاب محاولة الهروب من سجن بعقوبة المركزي وهو عمل مبررة مشروع من اجل الالتحاق بالحزب واعادة نشاطه.

مطبعة الحزب

عمل الرفيق في مطبعة الحزب السرية وكانت بإشراف قيادة الحزب الرفاق سلام عادل وجمال الحيدري حيث يذكر (.. دخل علينا شخص نحيف، تبدو ملامحه جدية، ذو نظرات حادة وثابتة، سلم علينا وصافحه الرفيق حمزة سلمان (ابو سلام) بحرارة وكذلك الرفيق خضير ويبدو انه يعرفه جيدا. ثم صافحنا انا ومحمد وجلس.. ثم التفت لي وقال لي (انت تأتي معي، هل لديك حاجيات؟ قلت كلا. ركبنا سيارة تاكسي إلى زقاق شعبي عرفت فيما بعد انه منطقة العوينة.. طرق الرفيق الباب عدة طرقات قد يكون متفقا عليها. وعندما دخلنا تبينت ثلاثة اشخاص بأيديهم حروف طباعية كانت هناك مطبعة صغيرة. اذن انا في مطبعة الحزب السرية. وبعد زمن من هذا اللقاء مع سكرتير الحزب سلام عادل تعرفت على الآخرين وهم (صبيح سباهي وحزام عيال ولطيف الحاج). ويتحدث بالتفصيل على عمله في المطبعة التي يضع مجموعة شروط للرفيق الذي يعمل في المطبعة، (المبدأية والوعي السياسي، الشجاعة والجرأة والصبر والانضباط الواعي وتحمل الظروف المعاشية والثقة بالمستقبل والسلوك والمعاشرة والخلق الجيد ...الخ). وفيما بعد يقوم باستلام المطبعة من الرفيق صبيح سباهي.

الكفاح المسلح

من الفصل الثامن عشر ينتقل الكاتب حول مساهمته في النضال في الكفاح المسلح مع الانصار منذ التحاقه عام 1980 مع رفيقه القائد الانصاري توما توماس (سافرت من المانيا إلى سورية ومنها إلى لبنان. كانت لدينا منظمة واسعة في بيروت مسؤولها الرفيق فخري كريم وكنا بحماية ورعاية الرفاق اللبنانيين والمقاومة الفلسطينية بأكثرية فصائلها. وبعد ارسال عدة وجبات إلى كردستان سافر توما توماس (ابو جوزيف) وبهاء الدين نوري وانا إلى تركيا عبر القامشلي بجوازات غير مزورة.

أصبح الرفيق سليم اسماعيل مستشارا سياسيا ومسؤول التنظيم في قاطع بهدنان، ثم انتقل إلى مناطق اخرى حتى أصبح مسؤول مكتب اقليم كردستان مع الرفاق ابو سالار وابو هزار ومام قادر الشيوعي المخضرم ص 400 آخرين في منطقة كافيه التابعة إلى قاطع أربيل. ثم يتحدث عن تطور عمله واجتماعات الإقليم ولجانه.. الخ.

الكتاب غني جدا بأحداثه الكثيرة والتي من الصعوبة اختصار محتوياته بعدة صفحات. ان نضال وحياة الرفيق سليم اسماعيل البصري (ابو عواطف)، تاريخ ناصع وبطولي وهو جزء من نضال الحزب الشيوعي العراقي.

عرض مقالات: