عادت مجلة “الثقافة الجديدة” إلى الصدور بعد فترة تموز 1968، كانت تلك البداية لتجربتي في صحافة الحزب، إذ كُلفت بخط عناوين المجلة، ومتابعة طباعتها في مطبعة الشعب، من قبل مدير تحريرها الشاعر الفريد سمعان، ومن بعده شمران الياسري، اذ إعتذر محمد سعيد الصگار عن هذه المهمة بعد أن وضع الأسس الأولى في تصميم المجلة، وسرت على نهجه.

كانت تلك المحطة الأولى، التي ترافقت مع صدور جريدة الفكر الجديد الأسبوعية، في أجواء إنفراج سياسي بعد بيان 11آذار 1970، كان الدكتور حسين قاسم العزيز صاحب الإمتياز، وفخري كريم مدير تحرير الجريدة، كنت خطاط الجريدة منذ صدور أول عدد لها، وكان المصمم الاخ حسام الصفار، وهي تطبع بثماني صفحات بلونين، في مطبعة الجاحظ في راغبة خاتون، لصاحبها رسمي العامل، وبطباعة (اللتر بريس) القديمة التي تعتمد(الكلايش)، وصف الحروف، شغلت الجريدة شقتين في عمارة حديثة، تطل على شارع السعدون، بالقرب من تمثال السعدون، وضمن بناية خصصت لسينما النجوم، افتتحت تواً في بغداد.

نجحت الجريدة منذ صدورها الأول، وكانت في مقدمة الصحف المطلوبة في الشارع، وتصاعد عدد قرائها، لأسباب عدّة، أولها لأنها الجريدة العلنية الوحيدة للحزب، بعد فترة انقطاع وتوقف لجريدة “اتحاد الشعب” عام 1961، التي صدرت بعد تموز 1958، ولان “الفكر الجديد” محاطة بعدد من المبدعين من جيل الصحفيين والمثقفين الرواد والشباب، أمثال: فائق بطي، شمران الياسري، محمد الملا كريم، محمد كريم فتح الله، يوسف الصائغ، سعدي يوسف، خالد الحلي، محمد الجزائري، سلوى زكو، وعدد آخر من المتطوعين، فضّلوا عدم الإعلان عن أسمائهم، لانهم يعملون في مؤسسات صحفية حكومية. اذكر على سبيل المثال محمد كامل عارف، سعود الناصري. الصحفيان الرياضيان ابراهيم اسماعيل، وصگبان الربيعي. صبحي حداد، قيس الياسري.

إثر إعلان ميثاق الجبهة الوطنية، صدرت طريق الشعب في 16أيلول بشكلها العلني، لأول مرة، بعد أن كانت سرية، وتشكلت هيأة التحرير من: صاحب الإمتياز ثابت حبيب العاني، ورئيس التحرير عبد الرزاق الصافي، ومدير التحرير فخري كريم. شغلت الجريدة أحد طوابق العمارات المواجهة لسينما اطلس، كما تحول المبنى الى مقر لقيادة الحزب في بادئ الأمر قبل انتقال الجريدة الى مبنى آخر قرب سينما بابل، كذلك إختار الحزب مقراً له قرب ساحة عقبة بن نافع في الكرادة.

وضع الفنان محمد سعيد الصگار تصميم (ماكيت) العدد التجريبي (عدد صفر)، واستخدم حرف ابجديته في ترويسة الجريدة، وكانت الاعداد الأولى بحجم صغير يعرف بـ(التابلويد)، وبإمكانات طباعية قديمة، وكانت عملية التنضيد وترتيب الصفحات تتم في مطبعة الحكومة، وظلت الجريدة تطبع بالحجم الصغير في مطبعة تقع في شارع الشيخ عمر، تعرف بإسم مطبعة فريد، وهي في الحقيقة  تعود للحزب اشتراها بإسم رجل الأعمال فريد الأحمر، عام 58، وصادرها انقلابيو 8 شباط عام 63، ثم تحولت الى قطاع الدولة، بعد  خطوات التأميم عام 1964، لطباعة صحف الثورة العربية، والمساء.

اعترض البعض على ترويسة الصگار، فتم تغييرها بخط الرقعة للفنان كنعان هادي، وإستقرت الترويسة أخيراً بخط الثلث للخطاط مهدي الجبوري، الذي امتنع من تذييلها بتوقيعه، ووقع الاختيار على مبنى مقابل القصر الابيض، كانت تشغله جريدة الاخبار التي صدرت في عهد الجمهورية الاولى لصاحبها جبران ملكون، وكان معداً بشكل مهني ومتحضر، بقاعات للتحرير، والتصميم، والتصحيح، والقسم الطباعي الذي شغلته مكائن اللاينوتيب، ثم مطبعة الاوفسيت باربعة ألوان، التي تم استيرادها من المانيا الديمقراطية، بإدارة امهر الطباعين، وافضلهم خبرة، سعدون علاء الدين أبو لبنى، وكان عبد الخالق زنگنة المشرف العام على المطبعة، ومن الاحداث المثيرة التي ذكرها ليث الحمداني في كتابه اوراق من ذاكرة عراقية، انه في هذا المبنى تم نصب ماكنة طبع قديمة تعود ملكيتها للحزب، كان قد أخفاها بعد ان فككها ووزعها على مناطق مختلفة في بغداد، فأعاد تنصيبها أول طباع تدرب عليها هو طارق علي السامرائي.

باشر فريق العمل الخاص بالجانب الفني والطباعي في هذا المبنى، بأوقات عمل تبدأ منذ ساعات الصباح الأولى، لساعات متأخرة من الليل، وهذا الفريق ضمّ بشكل ثابت كلاَ من، ليث الحمداني، محمود حمد، الأشقاء جمال وسامي وصفاء، وكذلك صائب العاني، فلاح حميد، عبد علي طعمة، قيس قاسم، عبد الرحمن الجابري، يوسف الناصر، مصطفى احمد، الرسامة عفيفة لعيبي، رسام الكاريكاتير مؤيد نعمة، والرسام نبيل يعقوب، ومن الرسامين الآخرين، فيصل لعيبي، صلاح جياد، ابراهيم رشيد، حميد عبد الحسين، وكان صادق الصائغ حاضراً على الدوام، واسهم الفنانون يحيي الشيخ، خالد النائب، عزيز النائب، في تصميم وخط صفحات الجريدة لوقت قصير. وتم نصب جهاز (التيكر) لإستقبال الاخبار آلياً، وأوكلت المهمة مساءً للخريج الجديد من قسم الاعلام لؤي غائب ولعبد الله عطية صباحاً، وتتحول الغرف الزجاجية الى ورش عمل لاينقطع، وقت المساء، للإعداد لعدد الجريدة في اليوم التالي، فالى جانب القسم الفني، فهناك قسم المحليات الذي يضم اسماعيل خليل، ومحمد خلف، والشاعر الشعبي جمعة الحلفي، وفي الشؤون الدولية والعربية، يلتحق رشدي العامل، وفي البدايات كان عبد المجيد الونداوي وحميد رشيد، ثم تفرغ عبد المنعم الاعسم ويحيى علوان لهذه المهمة، ويتناوب عادة اعضاء من هيأة التحرير للاشراف على الجريدة من موقع العمل في المطبعة ليلاَ، وعلى الأغلب هم: عبد الرزاق الصافي، فخري كريم، محمد كريم فتح الله، حميد بخش، عبد السلام الناصري. وعمل في قسم التصحيح: الشاعر يحيى السماوي، خالد النعيمي، ذياب كزار(الشاعر الشعبي ابو سرحان)، مظهر المفرجي، عدنان عباس، عريان السيد خلف، عبد الحسن عيسى، عيسى رمزي غيدان، فالح حسون الدراجي، عامر رشيد، سلام صادق.

وتشكل قسم المونتاج بفضل خبرة مبدعي هذا الميدان وهم خالد الصالحي، رحيم فالح، علي الجبوري، وعفان الكعبي، وتمكن عدد من الشباب من اكتساب مهارة هؤلاء، وتطورت امكاناتهم الفنية، وهم بيمان سعيد، انتشال هادي، منى سعيد، زاهرة هادي، عبد الزهرة غلام، جابرسفر، ثائرة فخري، وانضمت كوريا رياح، ورملة الجاسم الى القسم. ومن غير المنصف ان لا نذكر عمال المطبعة المداورين: صباح جمعة، علي الجواهري، علي اسود، وشيخهم ابو ظاهر، وفي التنضيد، صلاح الناصر، وكريم قباني، عيدان ابو سلام، موفق، سعدي محمد، وصديق، وبهجت.

ان هذه التجارب مجتمعة، وان لم اتحدث عن الجانب الاهم فيها،( يشغل بناية التحرير في السعدون)، وهو السياسي والثقافي والمهني، بقدرات العاملين المبدعين فيه، استطاع ان يمنح تلك المطبوعات، الطليعية بين الصحف والمجلات، شكلاً واخراجاً، ومضموناً، واثار بذلك حفيظة صحف النظام المنافسة.

هذه الحقائق تقودنا الى النظر والتأمل في تجربة غنية، على الرغم قصرها، الا انها تحفل بالإنجاز والمعاني والدلالات، إذ أقف بإنبهار أمام تلك التمثلات الابداعية، في أيام مجد تلك الإصدارات (الثقافة الجديدة، الفكر الجديد، طريق الشعب).

عرض مقالات: