اخر الاخبار

عندما تكون الكلمة تعبيراً حقيقياً وصادقاً عن مشاعر الناس وما يعيشونه بكل تفصيل وبلا تزويق وتصنّع وتكلّف ولا تزييف للحقيقة والوقائع يتلقّفها الناس بكل محبّة ويسكنونها القلب لتكون لسان حالهم دائماً، هكذا كانت صحافة الحزب الشيوعي العراقي منذ انطلاقتها الأولى عام 1935 وليوم الناس هذا!!

في تسعينيات القرن المنصرم وبعد فترة قصيرة لخروجنا من الاعتقال في منتصف عام 1993 الذي قضينا فيه سنة كاملة، تم اعتقال مجموعة من أصدقائنا البصريين، فلازمنا القلق والتوجّس من إعادة اعتقالنا مرّة أخرى، صرنا نتوجّس خيفة من كل شيء كون المعتقلين من أصدقائنا المقرّبين جداً، مرت الأيام والشهور فتمّ الإفراج عنهم لنعرف أنهم اعتقلوا لأنهم كانوا يصدرون صحيفة سريّة في زمن اعتقالنا تتحدّث بلسان حال الشيوعيين في الداخل والخارج وحتى المعتقلين أمثالنا أطلقوا عليها اسم (الحقيقة) هذه الصحيفة التي أقضّت مضاجع السلطة البعثية الفاشية وأزلامها، وضمن برنامجنا في المكتب الإعلامي لمحلية البصرة وملتقى جيكور الثقافي للاحتفال بالذكرى التسعين لتأسيس الصحافة الشيوعية استضفنا أحد رفاقنا الذين كان لهم دور كبير في إصدارها وتوزيعها، انه الرفيق عباس الجوراني حيث قال في استذكاره لتلك الأيام :-

الحقيقة تعبير عن يقين الشيوعيين بضرورة التواصل مع شعبهم وفيما بينهم حيث شكّلت انتفاضة الشعب عام 1991 حافزاً لانبثاقها بجهود رفاق الفرات الأوسط بقيادة الرفيق الفقيد زهير ناهي الحسناوي (أبو ظافر)، وسرعان ما توسّعت بتوسّع التنظيم ووصوله إلى المحافظات الجنوبية، فكان حي الفرات (آل خليفة) مكاناً ربضت به الطابعة بين حنايا الوكر الذي حرسته عيون وآذان تلك العائلة المضحيّة (عائلة أبو ظافر) لتنشر أريجها فوّاحاً يغطّي بغداد وكل الفرات الأوسط ومحافظات الجنوب وخاصة البصرة، التي ثارت بها ثائرة أجهزة الآمن الصدّامي وحزبها الفاشي، حيث تسبّبت بقيام المجرم اللواء مهدي الدليمي بمعاقبة أعداد غير قليلة من المنتسبين ما بين نقل وتأخير علاوات، في زمنٍ كان الحصول فيه على (بند) ورق من المكتبات يثير آلاف الشكوك والمتابعات كما أن نقل نسخ العدد الصادر منها ما بين ريف الديوانية ومركز البصرة عبر المرور بــ(16) سيطرة أمنيّة بمثابة معجزة، ومع كل المخاطر هذه ظلت الحقيقة آصرة قويّة بين الشيوعيين في الداخل وقيادة حزبهم في شقلاوة، وكذلك وسيلة تنوير لشعبهم مسلّطة الضوء على جرائم الحكم وفضح جرائم النظام الفاشي بحق الشعب والوطن.

وأشار الجوراني في حديثه أن الصحيفة كانت تنشر كل الأحداث والوقائع في الداخل والخارج مشيراً إلى تعاون الرفاق والأصدقاء في إصدارها وتوزيع بعض النسخ سراً وبشكل انفرادي فيما بينهم حيث قال :-

المواد المرسلة للصحيفة  من البصرة ما بين سياسية وثقافية وأدبية ساهم فيها الرفاق خالد السلطان وعباس الجوراني ومحمد البطّاط ورسام الكاريكاتير  الفقيد داود الر بيعي، وكذلك ساهم معنا الصديق الروائي جابر خليفة جابر وآخرون .

استمرّت الحقيقة بالصدور من خلال تفاني كادرها العاملين فيها مباشرة أمثال عائلة الفقيد أبي ظافر وآخرين، وقد كانت تُنقل إلى البصرة عبر (علّاقة) من أشرطة النايلون الملوّنة والمصنّعة بطريقة فنيّة، حيث تم عمل جيب سرّي في هذه العلّاقة ليتمّ تطبيق وكبس 9 نسخ ووضعها في أكياس نايلون بطريقة لا تثير الشك والريبة ثم وضعها داخل الجيب السرّي في أسفل العلّاقة التي غالباً ما تكون محمّلة بالفواكه والرُطَب.

كانت تصدر شهريا، حيث  صدر منها (20) عدداً قبل أن يتمّ اعتقال جميع أعضاء التنظيم في الداخل بوقت واحد وتتوقف عن الصدور،  لكنّها عادت للصدور وبشكل علني أسبوعياً بعد سقوط النظام الفاشي في آذار 2003 بإشراف محليّة البصرة للحزب واستمرّت لمدة سنتين .

الصحيفة هذه كانت النواة الحقيقية لانطلاق مجلّة الغد التي ما تزال تصدر عن محليّة البصرة كل شهرين حاملة بين طيّاتها فكر الحزب وهموم الناس وصوراً حيّة عن واقع الناس جميعاً بكل أبوابها حالها حال أي صحيفة أو منشور من منشورات الحزب الإعلامية والثقافية ،بوركت صحافتنا الشيوعيّة السرّية التي كانت مشاعل تنوير لجميع الناس.

عرض مقالات: