(الآن وقد شارفت على الختام، ختام هذه الاوراق وربما ختام رحلتي، ايضاً، من يدري؟ أحس، بخلاف، ما يقال، انني اعيش ليس “أرذل” بل أجمل سنوات العمر، بعد ان اتاح لي التقدم في العمر، التقدم في الوعي والتجربة، ان ارتشف القطرات الاخيرة في كاسي متمهلاً، ملتذاً.

وان اراه، اذ يتناقص، او يشبه لي ذلك، يمتلئ، بالحب، من جديد وعلى الدوام.

واهتف جذلاً من اعماق القلب:

أشهد انني عشت مغامرة كبرى للقلب والروح والعقل، وما أزال، ولكم وللناس محبتي)، من حوار مع الراحل إبراهيم الحريري

هكذا كان (أبو فادي) مبتهجاً بمنجزه الوطني والابداعي، فقد قدم للعراق ومن خلال مسيرته الظافرة مع اليسار العراقي وتاريخه المشرف مع حزبه الحزب الشيوعي العراقي. كان يردد في لقاءاتنا. لا انكسر ولن اهرم مادام لي وليد في وطن اسمه الحزب.

هو لم يقل كلمته الأخيرة قبل الرحيل لأنه كان متماهياً مع قول معلمه ومعلمنا كارل ماركس في الساعات الأخيرة من حياته (الكلمات الأخيرة للحمقى الذين لم يقولوا ما يكفي من قبل).

وانت يا إبراهيم قلت الكثير في مسيرتك النضالية رفيقاً قدمت ما يكفي لتكون صفحتك الوطنية ناصعة وتحملت السجون والاضطهاد والتشرد والمنافي وكنت مانحا لكل ما تملك لبيتك الحزبي. وصحفياً منذ العام 1959 في “اتحاد الشعب” والصحف العراقية والعربية، وكاتباً روائياً.. الجثة - مسرحية الخروج والروايات والقصص، النبگه، العضو، الانقلاب، الاغتيال، القيامة، الشجرة، يارا -حكايات حمدان- الصبي الشيوعي، وارتكابات على حافة الشعر وغيرها.. 

كنا على موعد للذهاب إلى بغداد التي عشقتها، كان في بريدك الكثير من الكتب والروايات والحوارات التي كنت تقول، سأبذل قصارى جهدي لإنجازها، ولكن يا أبا فادي منجزك الكبير أنك كنت وطنيا صادقا وكفيت ووفيت في انجازك الجماهيري والأدبي والمعرفي والسياسي الذي قدمت له كل ما تملك من الحماس والجهد والمال.

اتذكر، لازمتك التي كنت ترددها في حواراتنا ونقاشاتنا، (أحسن من هيج ميصير) كما واتذكر مرحك الجميل وقفشاتك التي لا تفارقك في أجمل وأصعب الظروف، ذات يوم كتبت منشورا على جدارك في الفيس حول امريكا، وفي تعليق أحد الاصدقاء قال لك (امريكا عدوة الشعوب) فكان جوابك العبقري (همزين كتلي). 

نم قرير العين أيها النقي، فقد ارتشفت القطرات الاخيرة من كاسك متمهلاً، ملتذاً، بتجربة خلاقة، وتهتف جذلا من اعماق قلبك - أشهد انني عشت مغامرة كبرى للقلب والروح والعقل-

 لن اقول وداعاً، لأنك ستبقى معي إلى أن نلتقي أيها الصبي الشيوعي.

عرض مقالات: