منذ فترة ليست بالقصيرة، بعد ان توضحت لي معالم التأثير الملحوظ للنص بقارئه رجوت ان تكشف لي الحجب ببعض التساؤلات فيما يخص النص. لماذا النص؟ ومن هو صاحب السلطة في منهجة الأفكار وعقد المعتقد ؟ هل هو النص؟ كاتبه؟ القارئ؟ لماذا العقل البشري مهندساً بطريقة لا يستطيع التخلي بها عن النص؟ يبدو ومن التساؤل الأخير او كما نلحظه في عقودنا الماضية والحاضرة والقادمة حتى. ان للنص دوراً اكبر بكثير مما نتخيله في حركة الجهاز المفاهيمي البشري باكمله. كما ان الاختلافات التي يمكن أن تحدث بخصوص ذلك هي طريقة قراءة النص. لا اقصد بطريقة قراءة النص هي وحدة المفهوم وتعدد المصداق فيه(تعدد التأويل والتفسير).ولا اعني بذلك أن لكل عقل منظومته الخاصة التي يأول فيها نصا معينا ويفسره تبعا لما توصل إليه من فَهم. لأن كل هذا من الأوليات المستقلة والتي لابد من الأخذ بها شئنا أم أبينا. أنما طريقة القراءة اعني بها هي النظر من زاوية توضح استقلالية النص !هل هو مستقل ،مطلق؟ وهل النص صاحب السلطة؟ ام هي للكاتب ؟ او ان للقارئ لابد أن يسجل حضوراً في ذلك ويجعل له سلطةً في فهم وقراءة وتفسير النص؟ هذه النكات او التساؤلات لابد من إثارتها ، لأن الجواب عنها هو من يوضح الفرق الهائل بين مجتمعات تعتمد طريقة خاصة في القراءة لا تعتمدها غيرها من المجتمعات. إذ إن هذه الطرق في القراءة تتجلى عندنا اليوم وهي الفاعل الأول في تقدم مجتمعات دون أخرى وتأخر بعضها. حيث من يقرأ النص بحكم ان ذلك النص هو عمومي مطلق، مستقل لابد اذن من جعله نواة لإنطلاق" المعـنى" والسلطوي الذي يسير المفاهيم البشرية والخاصة بالفرد والمجتمع. وعلى العكس يجري بمن يؤمن بعدم استقلالية النص، فهو ليس مقيدا بذلك. يبدو لي ان هذا الأول (اي استقلالية النص ) لايؤثر على تطور المجتمعات ونهوضها بقدر ما يؤثر الثاني والثالث (اي سلطة القار والكاتب ) في النص.
اما فيما يخص الثاني.
كما نرى في العقود الأخيرة ان الكثير من القراءات مثل نقـد(المهم محمد اركون ، عبد الرحمن بدوي ،هاشم صالح ، علي حرب ، عبد الجبار الرفاعي )التي تشير أن لابد لأي قارئ السلطة على النص في الأخذ والتقييم ومعننة المعنى وتفسيرة على ضوء معرفة القارئ،هي قراءات حداثوية تبدو قيمة، كما أنها تمهد سبل التنوير لجعل قراءة النص تكون ماهية متحركة متجددة، متغيرة عبر الأزمان وفقا لما تقتضيه راهن الظروف في مجتمع ما من أوضاعٍ سوسيوثقافية وأخرى ايديولوجية، وشددت بسلطة القارئ على النص وذلك ماثبت رجحانه في نهوض الامم في العالم الثالث وتقدمها لأنها جعلت المركزية للأنسان في كل شيء وبالأخص مركزيته في قراءة النص. اما الأخير (اي سلطة الكاتب) فهو سبب الانتكاسة في الشعوب غير المتقدمة ، لأنها اعتمدته بشده وأريحية حيث جعلت السلطة للكاتب او لمن ينوب عن الكاتب وجعلته مفهوما واحداً، لا تاريخياً، مطلقاً، غير قابل لتعدد المصداق والمعنى غير حيوياً ولامتحركاً عبر الأزمان وهذا ماجعلها متأخرة سنيناً ضوئية عن بقية العالم ، لأنها اعتمدت قراءة واحده ، معناً واحداً، منهجاً واحداً، رغم تعدد المنهاج ، في المجتمعات عبر الزمن ، كما أنها لم تضع التغيرات الثقافية والاجتماعية والنفسانية ، وتطور العقل البشري بعين الاعتبار . فأكتفت بما هو سلفي في القراءة وجعلته يتضارب مع منظومة الإنسان الفكرية المتغيرة اليوم. وهذا هو سبب الذبذبة وعدم الاستقرار في هذه الأمم.