اخر الاخبار

البحث عن الهوية يعني البحث عن الذات، والبحث عن الذات يعني البحث عن وجود له معنى، وعلى نحو يجعل من تلك الذات اكثر تحررا، وأكثر قدرة للدفاع عن سردياتها.. ان العراق السياسي المعقد، والصعب مارس عنفه المركزي على أي تمثيل حقيقي للعراق الثقافي، حتى بتنا نحتاج الى ما يمكن تسميته ب" الاستعراق" بحثا عن عراقيتنا التاريخية والاسطورية، وعن علاقة آمنة ما بين المشروع السياسي والمشروع الثقافي، بعيدا عن ذاكرة العنف والطرد، وامتلاك شرعة الوضوح لمسألة ونقد تاريخ العراق السياسي الذي ارتبط بالهيمنة والقسوة، حيث لا توجد حيادية في هذا الأمر، ولا احتيال يُبرر لسردية الطرد لكي تظل خاضعة الى "أطروحة" القوي العادل، أو التاجر المراوغ، أو الفقيه المُقنّع.. البحث عن الثقافي لا يعني الذهاب الى الصراع مع السياسي والاجتماعي والديني، بقدر ما يعني البحث عن المشروع المعرفي الذي يقوم على ادارة السياسات، وعلى تقويض ذاكرة العنف التي تشبه مشجب الأسلحة، والدخول الى فضاء "الاستعراق" من خلال التعليم والتنمية والأمن الثقافي، والعمل على صياغة "عقد ثقافي" يتسع لسرديات تُسهم في بناء المتخيل الوطني الجامع، وتشكيل رأي عام يقبل الأنا والآخر، ويُعطي لمفاهيم الحرية والعدل والديمقراطية والحق مجالا اجرائيا، على مستوى بناء العقل النقدي، وعلى مستوى بناء المؤسسات والأطر التي يصونها القانون والاجتماع.. ما فرضه "العراق السياسي" طوال عقود تحول الى نوع من "اللوثيان" بتوصيف هوبز، حيث تنامت معه مظاهر الدكتاتورية والاستبداد والكراهية والقهر النفسي، مثلما تنامت مظاهر الرجعيات السياسية، والعلاقة الملتبسة مع الآخر- الاستعماري والارهابي والطائفي والفاشستي- بعيدا عن أي مساءلة حقيقية لتاريخ هذا "العراق السياسي" الذي صنعه المستعمرون والانقلابيون والطغاة..

من جانب آخر تحوّل "العراق السياسي" الى مركز لتوليد العنف والكراهية، عبر تقويض خيارات البحث عن "العراق الثقافي" وإعادة النظر بكل التناقضات التي عاش اسقاطات رهابها، ويوميات عنفها الانقلابي، فضلا عن العمل على إعادة النظر  بقضايا إشكالية تخص التراث والآخر، ومفاهيم موازية تخص الاستبداد السياسي وعلاقته بالسرديات التي اخضعت التاريخ الى سلطة الحاكم، وسلطة الفقيه.. إعادة النظر بحقيقة "العراق الثقافي" تستدعي معها مسؤولية الانفتاح على كشف المضمر و"المسكوت عنه" في تاريخ  المركزيات الحاكمة من جانب، وفي تاريخ ما تركته مؤسساتها القامعة، في سجونها ومعتقلاتها، ووثائقها من جانب آخر، لأن ما تركه العراق السياسي لم يكن حافلا بالبراءة، ولا بروح فكرة الدولة الغائبة، وهذا ما يُرهِن نجاعة حفريات الثقافي بجدة فاعلية النقد، وعقلانية المراجعة، ليس باتجاه توليد عقدة "الثأر" الثوري كما يسميه البعض، بل بإعادة تأهيل المشروع الوطني، وتشغيل مفاتيح "العقل النقدي" على مستوى المراجعة وتشييد مؤسسة الدولة الراشدة، وعلى مستوى تحويل مشروع "الاستعراق" الى افق عملياتي لقراءة العراق الثقافي، في مرجعياته  الاسطورية والملحمية والصوفية والكلامية، وعلى نحو يجعل من حكمة كلكامش العراقي هي الرهان الأكبر على قوة العمل، وعلى صناعة الأثر، وعلى ربطهما بفكرة الخلود..

عرض مقالات: