على الرغم من الحضور المكثف والمؤثر للمثقفين العراقيين في الخارج، وتفاعلهم مع الحياة الثقافية في مختلف دول العالم، يشهد النشاط القنصلي الثقافي العراقي في السفارات المنتشرة في شتى أنحاء العالم سباتًا وتعطلا مريبا وعدم حضور أو تفاعل مع الحيوات الثقافية في تلك البلدان.

وكنا قد طالبنا، قبل سنوات، من هذا المكان، بضرورة غلق المراكز الثقافية العراقية في الخارج، بسبب عدم فاعليتها وهيمنة الأحزاب المتنفذة عليها، وتحويلها إلى منتجعات لأبناء وبنات وأصهار السياسيين والمتحكمين بمقدرات العراق وتاريخه، بالإضافة إلى التكلفة المهولة التي تتكبدها الدولة بسبب الإنفاق على تلك المراكز العاطلة عن العمل.

واليوم تبرز للعيان ظاهرة الملحقيات الثقافية التي جعلت منها الأحزاب المتنفذة جزءا من لعبتها المقيتة في تحاصص المغانم وتقسيم الحصص فيام بينها، من دون وازع من ضمير أو إحساس بالمسؤولية، ومن دون أن تعي خطورة وأهمية تلك الملحقيات وعملها في تعزيز التعاون وتقديم الوجه الحضاري المشرق للبلد.

وعلى الرغم من وجود العشرات، بل المئات من المثقفين العراقيين الفاعلين في مختلف العواصم، واستعدادهم لخدمة بلدهم وتوظيف طاقاتهم وعلاقاتهم الواسعة والمتميزة لخدمة بلدهم، تعمدت الحكومات المتعاقبة إهمالهم وعزلهم وتحاشي التعامل معهم والنظر إليهم بريبة، أما بسبب النظرة الدونية التي ينتهجها أغلب الملحقين الثقافيين في السفارات، أو لعدم أهليتهم ومعرفتهم بأسس العمل القنصلي الثقافي، كونهم ممن جاءوا إلى تلك المناصب والوظائف عن طريق قربهم من السياسيين المتنفذين في بغداد، من دون أن تسأل أية جهة حكومية ـ اتحاد الأدباء، على سبيل المثال ـ عن مدى أهليتهم لتلك الوظائف المهمة التي تتطلب دراية عميقة بطبيعة الحياة الثقافية وتنوعها واختلافها من بلد إلى آخر، أو عن مدى إجادتهم للغات البلدان التي يعملون فيها.

لقد فوتت هذه الظاهرة الخطيرة الكثير من الفرص على العراق وثقافته ومثقفيه، وجعلته يعيش عزلة ثقافية رسمية، على الرغم من الحضور المتميز للمثقفين العراقيين كأفراد وسعيهم لخدمة البلد، من دون الاستعانة بالملحقيات الثقافية المتعطلة التي تتحول، في أغلب الأحيان، إلى معرقل أو معوق لمثل هذه الأعمال، للأسباب التي ذكرناها آنفا. وعلى مدى عقدين من الزمان، منذ التغيير الذي حصل في العراق وسقوط النظام السابق حتى يومنا هذا، لم نسمع بأية فعالية أو نشاط أو منجز حققته تلك القنصليات الثقافية التي تكلف الدولة ملايين الدولارات، ولم تبادر سفارة واحدة بمفاتحة الجهات الثقافية في البلد الذي تخدم فيه، من أجل تنشيط فاعلية التبادل الثقافي أو تنظيم الأسابيع السينمائية والمسرحية والأدبية، ناهيك عن مبادرات الترجمة والسعي لتقديم الكتاب العراقي في معارض الكتاب الدولية، بل أن اللافت للانتباه، إصرار بعض المؤسسات الدينية غير الحكومية، على المشاركة في تلك المعارض وتأجير الأجنحة الباذخة، بتكاليف تدعو للريبة، من أجل تقديم الكتاب الديني ـ الطائفي في أحيان كثيرة ـ مقابل تجاهل وزارة الثقافة العراقية، كجهة رسمية مسؤولة عن تنظيم مثل هذه المشاركات والإشراف عليها وترشيح ذوي الخبرة من المثقفين العراقيين، سواء من داخل أو خارج العراق، للإشراف عليها.

 افتتاحية ”الطريق الثقافي“ العدد 105

4‏ تموز2022