أكمل للتو شد أغراضه.. تحقق بشكل سريع من اشيائه.. جوازه، أوراقه... تحاشى النظر بزاوية الدولاب التي اعتاد أن يضع فيه هداياها.. فضل عدم اخذ اي شيء فما سفره إلا لينسى.. وأية ذكرى ياخذها الآن كفيلة بإشعال الجمر مجدداً والنفخ فيه ليزداد نارا..

كان المطار الذي وصل إليه بعد رحلة نصف ساعة قضاها صامتا لم يتحدث مع أخيه ولا مع السائق، شبه فارغ.. لهذا كان يجر حقيبته وتكاد عجلاتها تسمع من بعد عشرات الأمتار، طالع ساعته.. يا الله.. لديه عشر ساعات كيف فاته أن يختار غير هذه الساعة تحديدا.. هي الساعة السوداء التي حين أهدتها له قالت:

 اريدك فقط ان تذكرني..

اذكرها... ليست الذكرى التي تمر بي.. أنا نفسي من أمر بجبل الذكرى تلك..

أتسللُ فجرًا إلى فناء المنزل هربًا من الهدوء إلى الهدوء ومن فوضى الواقع إلى ذاتي، أجلسُ على هامش العالم في صمتٍ وأحلم ..  أودّ بشدّة أن أضع قلبي تحت صنبور ماء بارد..

بردٌ يجنبني جحيم الشوق .. ‏

ملامح وجوهنا كانت زرقاءُ في آخر لقاء.. كانت إشارة إلى كآبة المشهد الذي أعيشه الآن.. ضائع خلف زجاج عظيم أراقب تحرك الطائرات وانتظر طائرتي لتساعدني على الهروب..

أشتاق، اشتاق، والشوق يملؤني صمتا.. بإشارة لم يفهمها أحدٌ أبدًا..

تأخّرت الكلمات، أشعرُ بالبرد فالشتاء قرين المعوزين للدفء .. والليل ماكر يفهم عذابي ويتنكر لها..

ما زلت أحب الذين أحببتهم مع أنّني أقطع الشّارع لتجنُّبهم.. احبهم لكني كنت ضعيفا حتى عن الاتصال بهم وتوديعهم..

وعلى الرغم من اني أراك تنبعثين في كل مرة كشيءٍ قديم وجديد وبريء يعرفه القلب فـيرتجف ‏.. لكني أكابر واتجاهل كالعقلاء..

هي حزينة بشكل ناعم وأليف، لا وجهها متجهم ولا تصرخ كثيرًا وتبتسم على الدوام حتى لو ساقها ضعفها للإنتحار سوف تكتب قصيدة أو نصاً عن الأمل ثم تقفز..

أحزنني أن أكون سبب بؤسها، لكن ما في اليد حيلة مع عدم تمكني من أبسط مقومات الحياة الكريمة..

هي تستحق من يسعدها ويؤمن لها حياتها..

وكثيرة الأحزان التي جعلت الناس مفجوعين في خطواتهم ومكلومة أفراحهم..

منذُ عامٍ وكانَ موعِدنا غداً

كَم غدٍ ولّى وما حانَ لِقاء

وانقَضى صيفٌ وصيفٌ

وأنَا صيفُ أحلامِي خَريف وشِتاء  اااااه من جبروت الشوق ..

بدأت ‏أحقد على الكلمات التي تعجبك، ولا أعرفها لأني أرى ان معنى الكلمة يُطعن إذا تكالبت عليه الاستعمالات الخاطئة..

فجأة يسقط مطر خفيف يبلّل روحك

 ويبلّل الفراشات رذاذا وضوءا..

أشعرُ بالخوفِ من المجهولِ فآويني ..

(يا انتَ) تقول لي : تعلم انك تخصني وحدي، ونحن موتى حين نكون خارج بعضنا..

نعم أعلم وموقن.. لكن الاصطدام بالواقع له كلمته الفيصل..

يحق لي ان اكتب لك بين الحين والأخر

لأنني لم اريك منذ عام شيئا من الشوق..

 وكثير من الضحكات المرسومة بتعابير وجهك الجميل باتت مخنوقة الآن ..

بعيد عن العين قريب من القلب

بعيد عن اليد ومجاور لعروقها

وكأنك وريد ثانٍ وشريان ثانٍ وظهر ثانٍ

وقلبين

نعم..

أنا رجل قوي جداً.

لأنني احارب بظهرين وقلبين واربعة أذرع

لانني منك وانت مني

كيف لرجل ان يقول لحبيب يريده بأنه لا يريده، ومن ثم يصدق اكذوبته..!؟!

ماذا يسمون هذا الألم ؟

اقولها لك كل يوم بصدق ستبقين انت في قلبي رهينة الحياة المجهولة.. وأنا رهين براءة عينيك..

(( إلى المسافرين الكريم يرجى التوجه للبوابة فهذه آخر رحلة قبل أن يتم حظر السفر..))

هكذا كان نداء السفر..

خلع الساعة، وتركها وحيدة تعاني عدم الانتماء لأحد..

ورحل إلى الأبد..

عرض مقالات: