يلتئم شملنا هذا اليوم لنحتفي بوجه منير من وجوه مسرحنا وثقافتنا العراقيين المعاصرين، بالفنانة الممثلة المبدعة آزادوهي صاموئيل ، ونحن نودعها في رحلتها الاخيرة والأبدية، بعد أن غادرت عالمنا الجمعة قبل الماضية، يوم الرابع والعشرين من شباط.

في أواسط خمسينات القرن الماضي ، بدأت آزادوهي تسترعي انتباه نخبة رواد الثقافة العراقية الناشطة والثامرة آنذاك، وتلفت الانظار في الحركة المسرحية الصاعدة خصوصا، وتحظى بالاعجاب في اوساط محبي المسرح والمقبلين على عروضه المتنوعة والمتكاثرة.

كانت آزادوهي في عمر الصبا والشباب تتوجه بعزيمة مثيرة للاعجاب، وبدعم من اسرتها ومن شقيقها الأكبر هايك بالذات، نحو فن التمثيل، وتقتحم المسرح يوم كان المسرح في أمس الحاجة الى العنصر النسوي. فقد كانت المرأة غائبة عنه بسبب سطوة التقاليد، وخشية الكثير من الفتيات الراغبات، من الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة، ومن الصعود الى خشبة المسرح، الذي كان جمهوره يتسع بمرور السنين ، والفرق المسرحية الناشئة تنمو. اقتحمت آزادوهي هذا العالم بجرأة حُسدت عليها، وكسرت بذلك الحاجز الشاهق، الذي كان يعترض طريق الكثير من قريناتها ، ويسّرت من ثم تدفقهن على الفرق المسرحية ، التي كانت تنتظرهن بصبر فارغ كي تشق باسهامهن الضروري دربها الى الامام، وتبنى الحركة المسرحية العراقية الجديدة.

ومنذ ذلك الحين وعلى امتداد السنين والعقود التالية، اطلت آزادوهی من على خشبات المسارح البغدادية وغير البغدادية، وحتى غير العراقية، مرات لا تحصى، ومثلت في مسرحيات لجميع المخرجين العراقيين البارزين، ومع جميع زملائها وزميلاتها المرموقين في ميدان التمثيل. كما كان لها حضورها التلفزيوني والسينمائي المعروف.

وبلغ الاعجاب بها والتقدير لإبداعها وعطائها ، من طرف المعنيين بالمسرح والثقافة عموما والجمهور الواسع على حد سواء ، أن أطلقت عليها تسميات معبّرة ، مثل “راهبة المسرح” و”ايقونة المسرح”.

أيها الأحبة

هذا شيء صغير من الكثير الذي ينبغي أن يقال عن فنانتنا الراحلة آزادوهي، وما قدمت للمسرح وللحركة الفنية والثقافية العراقية المعاصرة.

لكن الاحتفاء بها لا يكتمل ، اذا لم نستذكر الانسان فيها، الانسان النقي الصادق الرقيق الشجاع والوفي، الذي احاطه الجميع بالحب والاحترام، الجميع من شتى بنات وابناء شعبنا وأطيافه، وليس فقط من الطيف القومي - الديني والاجتماعي الذي تنتمي اليه ، واعنى ابناء شعبنا الأرمن والمسيحيين عموما.

كانت آزادوهي فخورة طبعا بوسطها الاقرب هذا، الذي ولدت في احضانه وترعرعت في كنفه. تشاركه الافراح، وتتألم لآلامه الكثيرة للأسف، والتي نجمت في الغالب عن النظرة المتعالية الى المسيحيين كأقلية دينية وقومية، وعن سوء التعامل معهم من جانب الانظمة الرجعية المتعاقبة على حكم البلاد، والحركات الارهابية والمتطرفة عموما، وحتى من قبل الطامعين في ما يملكون، كما رأينا ساخطين في السنوات الأخيرة.

ونعلم جميعا ان الاضطهاد متنوع الاشكال هذا، دفع الكثيرين منهم الى الهجرة بعيدا عن العراق، وهو وطنهم الذي لا وطن حقيقيا لهم سواه. رضخوا لصنوف الترهيب والترغيب التي تعرضوا لها، لاجبارهم على ترك هذا الوطن، من جانب جهات متنوعة في الداخل والخارج، لكل منها دوافعه واسبابه الشريرة.

الا ان الاكثرية من اخوتنا في الوطن هؤلاء صمدت، والحق يقال، في وجه كل الضغوط القاسية الظالمة التي سُلطت عليهم، وفي مواجهة كل العروض المغرية التي قدمت لهم مقابل الهجرة.. وبقيت متشبثة بهذا الوطن لا تتزحزح.

ويحق لحزبنا الشيوعي ان يعتز بكون رفاقه واصدقائه من الأرمن والاشوريين والكلدان والسريان وغيرهم من مسيحيينا العراقيين، كانوا دائما ضمن الطليعة بين الصامدين، ومن ضمن هؤلاء العراقيين الاصلاء ، كانت فقيدتنا آزادوهی، شأن شقيقها الراحل قبلها هايك.

في كل الاحوال والظروف تمسكت عزيزتنا الراحلة بوطنها العراقي، الذي عبرت دائما عن اعتزازها به ، رافضة مغادرته، ومتمترسة خلف حب واحترام العراقيين بمختلف أطيافهم ، فاكتسبت بذلك المزيد من حبهم واحترامهم. طيبة ومضيئة على الدوام .. هكذا تبقى ذكرى المبدعة الكبيرة والانسانة النبيلة الجميلة آزادوهي صاموئيل.

نودعها .. الى لقاءات كثيرة قادمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كلمة الحزب الشيوعي العراقي في حفل توديع الفقيدة الراحلة، ألقتها عضو اللجنة المركزية للحزب الرفيقة انتصار الميالي.