تواجه البلاد منذ عقود، بسبب حروب النظام السابق والحصار الدولي والحرب الطائفية والإدارة الفاشلة لنظام المحاصصة والفساد، مشاكل حادة تهدد أمنها الغذائي. وما زاد تلك المشكلات تعقيدا، هو نقص الإمدادات المائية والجفاف ومخلفات جائحة كورونا، والسياسات المالية التي ضمنتها الحكومة الحالية لورقتها البيضاء.

والأمن الغذائي، يعني توفر الطعام دون أي نقص لجميع مواطني الدولة، وغياب أي هاجس أو مخاوف من شحته أو نقصه لأي سبب كان. وهو من الناحية السياسية مؤشر على نجاح الدولة في ادارة مواردها، في ما يكاد أن يكون مقياساً لمدى توفر العدالة الاجتماعية ولمستوى التطور الاقتصادي.

مؤتمر إقليمي داعم

ولعل المخاوف من تطور هذه المشاكل، كانت واحدة من دوافع منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لعقد المؤتمر الإقليمي السادس والثلاثين للشرق الأدنى وشمال أفريقيا في بغداد الأسبوع الماضي، والذي حضرته ثلاثون دولة، وبحثت فيه بعمق سبل تطوير نظم غذائية وزراعية قادرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وقد حذر مدير عام منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، شو دونيو، في جلسة افتتاح المؤتمر، من الواقع الغذائي الحرج في منطقة الشرق الأقصى وشمال أفريقيا، داعياً الى العمل من أجل “تقليص الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق الحضرية والريفية من خلال خلق فرص توظيف أفضل في المناطق الريفية، وضمان الأمن الغذائي وأنماط التغذية الصحية للجميع، واستعادة التوازنات البيئية، وبناء الصمود في وجه الصدمات المتعددة”.

الجوع في العراق

وفي الوقت الذي أكدت فيه منظمة فاو على أن الجوع في العالم قد زاد بواقع 18 في المئة خلال العام الماضي لوحده، بينما ارتفعت اسعار الغذاء بنسبة 28 في المائة، اعترفت الحكومة العراقية بوجود أكثر من 10 ملايين مواطن دون مستوى الفقر في البلاد أي ما يمثل ربع السكان، فيما أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن تدهور حصة الفرد العراقي من المياه من 2100 متر مكعب الى 1750 مترا مكعبا خلال الفترة 2015 - 2020. ويمكن أن نسوق ما حدث في محافظة نينوى كمثال، على النقص الهائل في الانتاج الزراعي جراء نقص المياه، حيث انخفض انتاج القمح هناك من مليون طن تقريباً عام 2020 الى 89 ألف طن عام 2021.

تدهور هائل في إنتاج الغذاء

من جهته، حذر د. إبراهيم الركابي في تعليق لـ”طريق الشعب” من التدهور الهائل في انتاج الغذاء، حيث نقص الانتاج الزراعي في المجموع العام بنسبة 27 – 35 في المائة، وانتاج اللحوم الحمراء بنسبة 87 في المائة وانتاج اللحوم البيضاء بنسبة 84 في المائة، فيما انخفض انتاج الحليب من 267100 طن الى 32170 طنا أي بنسبة 88 في المائة وانتاج البيض من 807.7 مليون بيضة الى 729.9 مليون بيضة، بنسبة 10 في المائة. كما نقصت أعداد الأغنام بنسبة 10 في المائة واعداد الماعز بنسبة 50 في المائة، وذلك خلال الفترة بين 2007 و2017 وذلك حسب المجموعة الإحصائية الصادرة عن وزارة التخطيط.

ويشير الركابي الى ما ذكره “تقرير GEO-6 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة للبيئة، والذي وضع العراق في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر ضعفاً في العالم من حيث توفر الماء والغذاء وارتفاع درجات الحرارة، وما يشكّله ذلك من خطر على توفر الطعام والماء وبالتالي الصحة المجتمعية والاستقرار الاجتماعي”.

مخاطر الجفاف

المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) عبد الحكيم رجب الوعر، أكد من جانبه في تصريح أطلعت عليه “طريق الشعب”، أن “دول المنطقة ومن بينها العراق تعاني من مشكلة ندرة المياه، لأن قطاع الزراعة يستهلك 80% من موارد الدول المائية، ونحن نشجع على استخدام التقنيات الحديثة للمساعدة على ترشيد استهلاك المياه في العراق والدول المتضررة”.

وكانت مشكلة الجفاف المتفاقم في العراق قد زادت من مخاطر انعدام الأمن الغذائي، لاسيما في الريف حيث يُعتقد بأن نصف الأسر، تفكر أو تخطط اليوم للهجرة الى المدينة بسبب نقص امدادات المياه والطعام، على حد تعبير المزارع فاضل أحمد، الذي اشار الى اضطراره لترك ارضه وقريته في محافظة واسط، والانتقال الى المدينة، بحثاً عما يسد رمق عائلته المكونة من خمسة أفراد.

وأضاف في حديث لـ”طريق الشعب”، “نحن مجموعة غير قليلة من الفلاحين، كان لكل منا أرض صغيرة بحدود 40 دونما وبساتين صغيرة. اشجار النخيل تم حرقها بعد أن جفت واقفة، ولم نستطع استعادة البذور التي بذرناها، بسبب الجفاف ونقص الإمدادات المائية، فجاع اطفالنا، ولم تعد الفلاحة مجدية للعيش”.

فشل وتشاؤم

وفيما لا تتسم معظم التوقعات للعام الجاري 2022، بأي تفاؤل يذكر حول مستقبل الموسم الزراعي، بسبب نقص المياه والجفاف، اتهمت الكتلة الشعبية المستقلة في مجلس النواب، على لسان رئيسها محمد عنوز، وزارتي الموارد المائية والزراعة، بـ”الفشل المتعمد واتخاذ سلسلة من القرارات الخاطئة والتي أضّرت كثيراً بالفلاح العراقي”.

ويتفق المهندس الزراعي باسل محمد علي مع هذا الرأي، ويذكر لـ “طريق الشعب” بأن “اعدادا كبيرة من فلاحي الوسط والجنوب يعيشون فقراً مدقعاً، أجبرهم ويجبرهم على النزوح، وترك مهنة الفلاحة. ويشمل الأمر أيضا محافظة ديالى، التي تخلى خمس مزارعيها عن بساتين الحمضيات المشهورة”.

ويضيف “لا بد من الإسراع في إعادة تأهيل الري وتقديم البذور التي تتحمل الجفاف وحل مشكلة المياه مع ايران وتركيا، وتخصيص جزء مهم من ايرادات النفط لتطوير الزراعة، قبل أن يتحطم الأمن الغذائي في البلاد”.