مع احتدام الصراع بين روسيا والدول الغربية بشأن الأزمة الأوكرانية، يحذر المعنيون بالامن الغذائي من ارتفاع أسعار الحنطة عالميا بفعل الازمة بين البلدين، اللذين يقدر انتاجهما المشترك من القمح بحوالي 35 في المائة من الإنتاج العالمي، ما ينذر بارتفاع كبير في الأسعار العالمية.

وعلى الصعيد المحلي، يبدو الموضوع أكثر ضبابية في ظل شح المياه، الامر الذي دفع الى خفض مساحته المزروعة الى النصف بحدود 2.5 مليون دونم. وهذه تنتج مليوني طن من الحنطة، بينما يحتاج العراق لـ4.5 مليون طن، إلا ان مؤشرات متفائلة تولدت بعد ما شهده العراق من أمطار وسيول، يمكن لها أن تسهم في رفع الإنتاج نظرا للمساحات الديمية التي تعتمد على الامطار ولاسيما في الموصل.

الحاجة الفعلية 

ومع ذلك يبقى العراق بحاجة الى مليون ونصف المليون طن من الحنطة يتوجب عليه استيرادها بعد عامين (2019 و2020) من الاكتفاء الذاتي، اللذين بلغ انتاج الحنطة فيهما اكثر من 5 مليون طن.

وبينما يحتاج العراق لاستيراد هذه الكميات، تثار مخاوف من امكانية تأثير الحرب الروسية الاوكرانية المتوقعة على سوق القمح عالميا وارتفاع اسعاره، واحتمالية عدم تمكن العراق من استيراد ما ينقصه من حنطة.

في المقابل، مازالت الصورة غامضة بشأن الموسم الزراعي الصيفي المقبل، بسبب عدم اعلان وزارة الموارد المائية عن الكميات المتحققة من المياه خلال الامطار والسيول وما إذا كانت خطة الموسم الصيفي المقبل منخفضة ايضا، كما هي الخطة الشتوية التي جرى خفضها الى النصف.

الخطة الزراعية غير واضحة 

وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف في حديث صحفي، إن “وزارة الموارد المائية لم تفصح عن كمية المياه المخصصة للخطة الزراعية، لفصل الصيف المقبل حتى الساعة”.

وأضاف أن “عدم تحديد الحصة المائية يربك الخطة الزراعية لموسم الصيف”، مبينا أن تلك الخطة “تطلق في شهر ايار من كل عام”.

وتابع أن “هناك تخوفا لدى الفلاحين من عدم تحديد الحصة المائية للموسم المقبل، هذا الامر قد يؤدي لعزوف بعضهم عن الزراعة”.

تحذيرات من ارتفاع الاسعار

من جانبها، حذرت الباحثة في مجال الامن الغذائي سهى محسن، من ارتفاع كبير ستشهده أسعار المحاصيل الزراعية وخاصة الحنطة في حال نشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا، او فرض عقوبات اقتصادية على روسيا بمنع التصدير او غيرها من العقوبات التي يمكن ان تضاعف أسعار الحنطة عالميا”، مشيرة الى ان “روسيا وأوكرانيا هما من أكثر الدول المصدرة للحنطة الى منطقة الشرق الأوسط، واي توتر بينهما يعني حدوث ارتفاع في الأسعار المرتفعة أصلا”.

وأضافت محسن لـ”طريق الشعب”، ان “أسعار الحنطة في ارتفاع، ودول جوار العراق والمنطقة بدأت تاخذ الحذر في التعامل مع الازمة. بينما يلتزم المسؤولون في العراق الصمت، في مشهد يدعو الى الاستغراب”، مبينة ان “الحكومة عليها الالتفات الى موضوع زيادة أسعار الحنطة عالميا ومنع تهريب المنتج المحلي الى خارج العراق، والبدء في اتخاذ خطوات استباقية من اجل حصر محصول المزارعين في نيسان القادم، وعدم ترك المجال امام المتلاعبين من ضعاف النفوس بتهريب هذه المحاصيل الاستراتيجية الى خارج البلاد”.

ودعت الباحثة الى “زيادة أسعار الحنطة المسوقة من الفلاحين الى 750 ألف دينار للطن الواحد من اجل معالجة موضوع فرق سعر صرف الدينار امام الدولار، وتشجيع الفلاحين على تسويق محاصيلهم لصالح الدولة، وتحذير من يمتنع عن التسويق بعقوبات رادعة”.

مقترحات استباقية

بدوره، ذكر المهندس منار العبيدي، في تدوينه له على صفحته في فيسبوك، ان “الحرب المحتملة بين روسيا واوكرانيا لا تؤثر على اسعار النفط بمقدار تأثيرها على سعر القمح؛ فالدولتان تعتبران من أكبر الدول المصدرة للقمح عالميا وتعتبر روسيا المصدر الرئيسي للقمح الى دول الشرق الاوسط والصراع بين الطرفين قد يؤدي الى توقف امدادات القمح، وبالتالي ارتفاع اسعاره عالميا، نتيجة لارتفاع الطلب مقابل المعروض”.

واضاف ان “اسعار القمح ارتفعت بمعدل 100 في المائة منذ 2017 ومن المتوقع ارتفاعه بشكل أكبر مع تنامي الصراع بين اوكرانيا وروسيا، ويعتبر القمح العنصر الاهم في الامن الغذائي، ويؤدي ارتفاع سعره الى ارتفاع نسب التضخم القياسي بشكل واضح”.

وبين ان “الاستمرار في الازمة بين روسيا واوكرانيا مع ارتفاع اسعار النفط التي تؤدي الى ارتفاع كلف النقل، سيؤدي الى المزيد في الارتفاع بأسعار القمح وخصوصا ان مخزونات المصدرين في أدني مستوياتها منذ سبع سنوات”.

ويأمل أن تعمل الحكومة منذ الان على “ضرورة زيادة محصول القمح للموسم القادم من خلال مبادرات لتوفير البذور عالية الانتاجية مدعومة للمزارعين، والعمل على توفير الاليات الضرورية لاستصلاح وري الاراضي بنظام التقسيط المريح جدا، وتبني سياسة تثقيفية للدفع باتجاه زراعة الاراضي للموسم القادم، وتسليم المزارعين مستحقاتهم من مبيعات المنتجات الزراعية للمواسم السابقة، ودعم المشاريع الصناعية الهادفة الى انتاج مختلف انواع الطحين وبكل درجاته، واعادة احياء الجمعيات الفلاحية لزيادة وعي وتثقيف المزارعين بكيفية الاستهلاك الامثل للمياه وزيادة الإنتاجية”.

وأكد أن “من الضروري العمل على ان يكون الموسم القادم ثورة انتاجية حقيقية في زراعة القمح لتعويض النقص المتوقع او الارتفاع في اسعار القمح لما يلعب دور مهم في حياة المواطن”.