اخر الاخبار

حين نستذكر انتفاضة تشرين المجيدة هذه الأيام ، علينا أن نستذكر شهداءها وجرحاها ومَنْ غُيِّبوا قسراً ، ومن بينهم الشاعر (علي نجم اللامي) وهو يرسم الصرخة التي أخذت تتردّد في الساحات، حتى أضحتْ شعاراً لكلّ متظاهرٍ يطالبُ بحقّه في العيش الكريم على أرضٍ دافع عنها هو وأخوته وآباؤه وأجداده ، يوم أطبق الظلام على سمائها وهجمت خفافيشه تريد امتصاص دمها ، وذلك في مجموعته الشعرية الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، والتي تزامن صدورها مع أيام الانتفاضة !

نزل وبين شفتيه صرخة مكتومة، والبركان قد انفجر وأخذ يقذف بحممه على رؤوس الفساد وسارقي أعمار الشباب ، فيما لهبه يتصاعد على ايدي مَنْ ذاقوا مرارة الحرمان والقهر والجوع !

إنهم يريدون وطناً ، يعني حُضناً دافئا، وقلباً طيّباً ، وروحاً ساميةً خلّاقةً، وشموخاً ، وإنسانيةً، وعيشاً كريما، وسكناً لائقاً، وفُرصَ عملٍ ، وأمناً وأماناً. أحلامهم لم تتعدّ الأرض التي وُلِدوا عليها، وسمعوا عنها الحكاياتِ الكثيرةَ من جدّاتهم وأمهاتهم ، وحينما فتحوا عيونهم وعرفوا أن هذا الحلمَ سرابٌ انتّفضوا صارخين : نريد وطناً !

كم هي مؤلمة هذه الصرخة ، حين تسمعها من فم شابٍ او فتاةٍ لم يبلغا الحلم بعد؟!

 لم يبصروا شيئا من الوطن الذي سمعوا وقرأوا عنه الكثير، فأحسّوا بضياعهم ، وضياعِ كلّ شيءٍ جميلٍ في حياتهم. واجهوا الرصاص الحيَّ وقنابلَ الغاز المسيّل للدموع بصدورٍ عارية ، مردّدين قولَ الشاعر محمود درويش : مَنْ ليس له وطن ، ليس له كفن !

ولأجل أن يُمسكوا حبلِ نجاةٍ قبل أن تغرقَ السفينةُ نهائياً، خرجوا الى الساحاتِ يطلبون وطناً .. وطناً يليق بهم ويليقون به ، وطناً يحنو عليهم ويضمّهم بين جناحَيْهِ قبل أن يتشرّدوا لاجئين في بقاع الأرض !

الآن وبعد مرور أربع سنوات على هذه الانتفاضة ، علينا أن نستذكر شهداءها وجرحاها ، والثمار التي قُطِفت منها ، رغم أنها ليست بالمستوى المطلوب ، لكنّها أثبتت أنّ الصوت الهادر بالحقّ يخترق كل حاجزٍ وستارٍ ويزلزل العروش !

علينا أن نستذكرَ أولَ صرخة مدوّية في البصرة ، حيث تظاهرات الماء والكهرباء والخدمات وفرص العمل ، التي انطلقت بواكيرها عام 2011 مرورا بعام 2015 ثم 2018 وصولا إلى 2019، وكم شهيد سقط مضمّخاً بدمه من اجل ذلك.

 البصرة كانت رأس النفيضة دائماً بانتفاضاتها ضد الفساد والفاسدين، لأنها البعير الذي يحمل ذهباً ويأكل عاقولا !! لنقل أن المسؤولية الكبرى تقع على مَنْ يقود البلاد والسلطة العليا أولاً، و”مشايخ” القوم و”عليّتهم” ثانياً، وكل ذي عقلٍ حليم ثالثاً. عليهم أن يعوا المسؤولية وألا تذهب دماء الشباب سدىً ، ويأخذوا بتصحيح كل الأخطاء التي أدت بالبلاد إلى الخراب ، كي يشعروا الشباب بأن ثمّة وطناً يقيمون فيه ، بعيداً عن الحرمان والقهر والمطاردات وسفك الدماء البريئة. وان من واجبنا ان نعيد لهم في الانتخابات الوشيكة، الإحساس بضرورة مواصلة العمل لاقامة وطنٍ حرٍ يعيشون على أرضه بسلام وكرامة واطمئنان.

عرض مقالات: