اخر الاخبار

الأنانية البغيضة وذاتها المتضخّمة تجعل من المرء كائناً عدائياً، لا يتورّع عن فعل أي قبيح في سبيل إرضاء ذاته المريضة. أمّا المحبّة الحقيقية ونكران الذات والتسامح وفعل الخير فإنها من صفات النبلاء، ولا يمكن أن يمتلك جزءاً منها أيُّ كائنٍ أنانيّ النزعة يتملّكه الحقد ويكيل التهم جزافاً ويحرّض على قتل الآخرين كي يتسيّد الأمر والمكان، ليملأ جوفه بالسحت الحرام ويرضي غروره وأنانيته البشعة التي لا يعرفها إلاّ الممسوسون وخفافيش الظلام ومصاصو الدماء!

 كنّا ولا نزال لا نعرف من هذه الصفّة البغيضة والمؤذية للآخرين شيئاً، لأننا تربّينا على المحبّة ونكران الذات وفعل الخير. لكن عندما كبرنا ودخلنا الحياة العملية والثقافية صدمتنا هذه الأمراض التي تبتعد كلياً عن التسامح والإيثار وحبّ الخير للجميع. فبين آونة وأخرى يظهر شخص يريد السيطرة والاستحواذ على كل شيء، يختلق الخلافات والأزمات ويكيل التهم جزافاً وبكلّ صورها الرديئة، بينه وبين مَنْ يختلف معه في الرأي أو لا يقبل أفعاله المشينة!

أذكر عندما كنّا معتقلين في سجن الرضوانية  سيّء الصيت عام 1992 كان المراقب يسيطر على القاعة وبيده كلّ شيء، من توزيع الأكل وأماكن النوم إلى وقت الذهاب إلى الحمّام والتدخين، ويشترط أن تكون له الحصّة الكبرى في كل شيء. هو الآمر الناهي فإذا اختلف مع أحدنا نتيجة معارضة الآخر لسطوته وفساده، نُحرم من الراحة بشكل كامل ويشي بنا لننال عقاباً دون ذنب إرتكبناه !!

سقت هذه المقدمة الآن بسبب ارتكاب البعض افضع الأفعال والكتابات التي تودي بالآخرين إلى القتل دون ذنب اقترفوه، سوى أنهم لم ينصاعوا إلى أمره وطلبه بالتسيّد وإعطائه زمام أمورهم كما يفعل بعض السياسيين حين تتعارض مصالحهم الخاصة مع أيّ امرئ للأسف، إذ تجد البلاد تدخل في سلسلة من الأزمات والمشاكل التي يدفع ثمنها الأبرياء دائماً.

ذات مرة قرأت قصة اللودي جوديفا زوجة الأمير ليوفريك حاكم ولاية كوفنتري البريطانية في العصور الوسطى، التي ارتضت أن تسير في الشوارع عارية لتنفّذ شرط زوجها كي يخفف الضرائب عن المواطنين الفقراء. حيث قابلها الناس بالمحبة والتقدير معبّرين عن ذلك بغلق أبواب منازلهم ونوافذها كي تمرّ في الشوارع عارية دون أن يشاهدها أحد وليرضخ الأمير لطلبها صاغراً ويسمو فعلها الإنساني الكبير عالياً، كونها آثرت على نفسها كل ما فرضه الزوج الظالم من شرط في سبيل إنقاذ الناس، وقد خلّدها أحد الرسّامين بلوحة تظل مثالاً لعمل الخير ونكران الذات. وهناك أمثلة يرويها لنا التأريخ بأحرف من نور، غير الأفعال المشينة التي تودي بصاحبها إلى الحضيض وكره الناس له حين يستفحل المرض النفسي عنده وتتضخم أناه، ليصبح وحشاً لا يتورّع عن ايذاء أقرب الناس إليه!

العمل الإنساني بكل أشكاله لا يموت، بل يتذكره الناس بأجمل الحكايات وأحلاها ، خلافاً للفعل القبيح والدنيء الذي يظل وصمة عار في جبين فاعله وتطارده لعنة الناس أينما حلّ.

 فلا تجعل للأنانية مكاناً في حياتك وكن إنسانيا محبّاً للخير دائماً.

عرض مقالات: