اخر الاخبار

حين هممت بحشر سيارتي في حيز ضيق لشارع كرادي مزدحم، فوجئت بتكور سيدة ملتفّعة بالسواد جالسة على الرصيف المقابل الذي كدت أصطدم به. لم تكن سوى إحدى المتسولات التي دأبتُ على إعطائهن ما تيسر من مال بسيط . ما ان اقتربت منها حتى سمعتها تتحدث بلغة أجنبية عبر موبايل غطته بعباءتها.. بصراحة شتمتها بسرّي ومضيت..

في مساء اليوم نفسه سمعت خبرا يفيد بالقبض على نحو1600متسول ومتسولة في شوارع بغداد. عدد كبير منهم أجانب من الأفغان والبنغال وغيرهم من الجنسيات الأخرى. وخزني قلبي وقلت لنفسي أن متسولة الرصيف تلك ربما تكون من بينهم.

طبعا مشكلة التسول تعد مرضا اجتماعيا واقتصاديا فتاكا، لا يقل خطورة عن الكورونا والايدز وغيرهما من الإمراض القاتلة، وهو يعكس في مجتمعاتنا العربية عموما مدى التفكك المجتمعي.

والفقر هو أهم أسباب التسول، بل ويعد من أسوأ أشكال العنف بما فيه من إذلال للأرواح وهدر شنيع للكرامة. و يعرَّف التسول بأنه طلب مال أو طعام أو مبيت من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم، إما باظهار عاهات أو سوء حال أو استخدام أطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم.

ويتواجد المتسولون عادة على جنبات الطرق والأماكن العامة، ويلجأ بعضهم للوقوف عند الإشارات ويمارس مسح زجاج السيارات أو بيع المحارم الورقية “الكلينكس” أو غيرها من المواد البسيطة، مرددين كلمات تستعطف الناس.

وبحسب وزارة الداخلية فإنَّ ظاهرة التسول أمست خطراً كبيراً يهدد أمن المجتمع، لاسيما أنَّ هناك العديد من الجرائم التي تمارس في اطار الظاهرة، منها الاتجار بالبشر وبالمخدرات ناهيك عن جرائم أخرى تقوم بها العصابات المتمرسة في التسول، والذي هو نفسه من صور استغلال البشر والمتاجرة بهم، بحسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.

في الآونة الأخيرة أصبحت هناك فئات عدة تُدخل ضمن نشاط التسول، من أطفال رضع وصغار وفتية إلى جانب النساء وكبار السن والمعاقين. ووصل الأمر إلى حد زج ذوي الاحتياجات الخاصة. كما يجبر بعض الآباء والأمهات أو أولياء الأمور أطفالهم على ممارسة التسول.. مما يجعلهم تحت طائلة القانون وفقا للمادة 30 من قانون الأحداث 76 لسنة 1983 وتعديلاته، إذ يعاقب بالسجن فترة تزيد على عام كل ولي أمر أجبر الحدث أو الصغير على التشرد والتسول والسلوك المنحرف.

وتعتمد معالجة ظاهرة التسول اساسا على محاربة الفقر جذريا ، مع توفير ملاذات آمنة للمتسولين الأطفال على نحو خاص، وإخضاعهم لدورات تأهيلية تعيد تقويم سلوكهم .. وفي خبر اطلعت عليه أخيرا ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية اصدرت، تعليمات خاصة بشمول المتسولين برواتب الحماية الاجتماعية، بشروط أهمها التعهد بعدم ممارسة التسول مرة أخرى..

ولكن هل سُتطبَّق هذه التعليمات بحرص ونزاهة تامتين؟

للأسف..أشك في ذلك.

عرض مقالات: