اخر الاخبار

منحتني الترجمة عن اللغة الألمانية مفتاحا للمعرفة وفتحت أمامي أبواب آفاق ثقافية شاسعة، لعل أبرزها في المحطات الأولى من حياتي المهنية حين عملت في الترجمة خلال ممارستي الصحفية الأولى في صحيفة “طريق الشعب”، ومن ثم تعييني بصفة مترجمة في دار ثقافة الأطفال بمساعدة زميل سابق في كلية الآداب، في ظرف عصيب جدا من العام 1979 أيام ملاحقة البعثيين لنا ..

وأتيحت لي أثناء عملي في ثقافة الأطفال زيارة مكتبة الطفل الكائنة مقابل حديقة الزوراء، لأفاجأ بكنز معرفي هائل عبارة عن مكتبة كاملة من كتب الأطفال باللغة الألمانية، كانت مهداة للمكتبة من معرض للكتاب أقامته سفارة ألمانيا الديمقراطية آنذاك .

وقتها لم يلتفت للكنز أحد بحسب معرفتي، ولذا وقفت أمام (مغارة علي بابا )مذهولة إزاء كم ونوعية الكتب .استعرت بعضا منها وباشرت بالترجمة والنشر في “مجلتي” و”المزمار” عبر موضوعات وقصص متنوعة، ومن ثم ترجمت 3 كتب أدبية وعلمية وتسلية.. ولعل الأبرز بينها كان ترجمتي لكتاب “ملون مثل قوس قزح” الذي تضمن قصصا قصيرة جدا تشبه الأفكار، لا يزيد حجم الواحدة منها على بضعة أسطر، حسبته فتحا أو لنقل نوعا جديدا في الكتابة للأطفال. ومما زاد من أهمية الكتاب رسوماته المائية الجميلة بريشة الفنان المبدع عبد الرحيم ياسر، الذي  نال بفضلها جائزة أفضل رسم لكتاب الطفل في مسابقة عربية بتونس.

أعود للترجمة وقد أنقذتني وعائلتي من الجوع أيام الحصار بعد العام 1991، عندما عملت مراسلة لصحيفة “الرأي” الأردنية، وتحتم عليّ إرسال ما لا يقل عن خمس صفحات جريدة شهريا من المواد السياسية المترجمة عن مجلة “ دير شبيغل” الألمانية الراقية لغويا ومعلوماتيا. وقد انقذني راتب المائة دينار أردني شهريا بالفعل من محنة الحصار، أنا التي لم يتجاوز راتبي أربعة آلاف عراقي..

مفتاح اللغة وتدربي على الكتابة للأطفال فتحا أمامي مغاليق معقدة في الغربة، حين تعذرت علي فرصة الحصول على عمل صحفي بعد مشاكل حدثت لي رغم استمراري بالعمل مترجمة في مجلات وصحف خليجية مختلفة، لتأمين مصاريف حياتي اليومية هناك وإرسال ما أمكن منها للأهل في أيام الحصار اللئيم..

عملي في دار ثقافة الأطفال لنحو خمس سنوات أتاح اختياري لمنصب مدير تحرير مجلة جديدة للأطفال في المؤسسة العربية للصحافة في أبوظبي باسم “أطفال اليوم”. صدرت المجلة شهريا بمعدل نحو مائة صفحة وكانت من المجلات الأفضل مبيعا بين مجلات المؤسسة، ولمدة خمس سنوات ، وحققت لي استقرارا ماديا ومعنويا، وقبلهما مكنتني من الاستعانة بجهود زميلاتي وزملائي من كتاب ورسامي مجلتي والمزمار لتزويد المجلة بنتاجاتهم وبالتالي حصولهم على مبالغ جيدة ساعدتهم في تخطي بعض سنوات الحصار العجاف.

مناسبة الحديث عن مشواري في ثقافة الأطفال ما أثاره الصحفي المخضرم الأستاذ كمال يلدا في برنامجه “ أضواء على العراق” بتناوله تجربة دار ثقافة الأطفال مسترجعا ذكرى أكثر من خمسين عاما على هذه المؤسسة التربوية الفذة عبر استذكار مؤسسيها والعاملين فيها من إداريين وكتاب وفنانين، مخصصا حلقة كاملة عن شهداء الدار بعد العام 1979، ثم مقارنته ذلك بما آلت اليه الأمور حاليا من وضع بائس في الإنتاج وتبعثر الكوادر الفنية والأدبية المتخصصة.

شكرا لكل من قدم شيئا للطفولة ولأحلامنا بمستقبل أفضل.

عرض مقالات: