اخر الاخبار

عندما كنتُ صغيراً في ستينات القرن الماضي، كان ابي قبل حلول شهر رمضان بأيام يأخذني معه الى السوق في مركز قضاء الفاو جنوب القلب، لنتبضّع متطلباتنا من المواد الغذائية وكل ما يحتاجه الصائمون من بقوليات، وبهارات، وشرابت وغيرها. كنّا نذهب الى دكان أحمد جوهر الذي كان الوالد يتعامل معه دائما ، لنتسوق كل شيء، حتى اللحوم والأسماك. كان جوهر يسجّلها في دفتر الحساب الى حين التسديد عند نهاية الشهر، لم نكن نسأل عن الأسعار لأننا نعرفها جيداً وهي لا تتغير مهما حصل، وكان الجيران يتعاملون بحميمية وود أكثر من كل الأيام.

ما أجمل تلك الأيام وانت تشاهد ( الصواني ) تخرج من البيوت مملوءةً بما لذّ وطاب ليتشارك الجميع في الفطور والسحور، ويتذوق كل بيت ما طبخه الجيران!

تذكّرت تلك الأيام حين  جلست مع زوجتي قبل اسبوعين لنسجّل قائمةً بما نحتاجه من مواد غذائية لهذا الشهر، وبعد انتهائنا من التسجيل فكّرنا بالأسعار فأصابتنا الكآبة والحيرة من ارتفاعها بشكل مفاجئ، وكأن شيئا قد تغيّر في نظام الكون؟!

حدّثتها بما قرأته عن الدول الأخرى وأوامر حكوماتها وقراراتها بتخفيض الأسعار خلال شهر رمضان لرفع عبء الغلاء عن المواطنين، وقارنتها بما يحصل عندنا من مفاجآت في الأسعار وارتفاعها غير المسبوقة وخصوصاً أسعار المواد الغذائية، وكأننا خارج نظام المجموعة الشمسية هذه !!

تساءلنا: لِمَ يحصلُ كلّ هذا في بلدٍ يدّعيعلن فيه الالتزام والتوافق والحميمية والمحبة والتواصل؟ ولماذا يرفع التجّار الأسعار في هذا الشهر وكأنهم يريدون الانتقام من الناس؟! ولماذا لا تفكّر الحكومة جدياً بتخليص المواطنين من جشعهم، وتعلن تسعيرة خاصة لترفع عن كاهل المواطن عبئاً يفرضه الفاسدون؟ ولماذا لا تفكّر بتوفير المواد الغذائية ضمن الحصّة التموينية التي تتضاءل اكثر واكثر وصارت في خبر كان ، رغم ارتفاع المبلغ الذي يأخذه الوكلاء من المواطنين كل شهر؟! لماذا..؟! ولماذا ..؟! ولماذا..؟!

تساؤلات وحسرات وآهات تبادلناها تلك الساعة ونحن نقلّب الورقة التي سجّلنا فيها احتياجاتنا خلال شهر رمضان !

نظرت الى زوجتي فرأيتها تضرب أخماساً بأسداس وهي تحسب بأصابعها سعر كل حاجة من تلك المواد. وتظلّ الــ ( لماذا ) تضرب كل فاسد وجشع من التجّار وغيرهم!

علينا أن نؤكد تآلفنا ومحبتنا ونفوّت الفرصةَ على هؤلاء بعدم شراء أي شيء، بل نكتفي بما موجود لدينا من مواد، وما يتيسر منها. إننا إذا عزفنا عن شرائها بهذه الأسعار المرتفعة سيضطر التجّار الى تخفيضها كي لا تتلف وتصيبهم الخسارة!

وعلى الحكومة أن تُعلن عن تسعيرة خاصة كلّما هلّ هذا الشهر وتُجبرهم على العمل بها ، كذلك كذلك القيام بمحاولتها الجادّة والحثيثة لتوفير مواد الحصة التموينية كاملة، لترفع عن كاهل الناس أثقالاً وأعباء يفرضها الجشعون والفاسدون وبائعو الضمير ، ولنفكّر جدياً بآلية وكيفية التخفيف عن هذا الشعب الذي تعب كاهله من حمل الأوزار !

عرض مقالات: