اخر الاخبار

ما احوجنا الى التوثيق. لا تكفي عشرات الأفلام الوثائقية والدرامية، ولا مجلدات الكتب لضم سرديات ما حدث ويحدث في ساحات النضال، وخلال نشرالموت بالغاز وبسموم الخردل والسيانيد وغيرهما ، لابادة مناضلين صاغوا أبجديات التضحية بألم وفرح وبحب وموت .. ومثلما يقال “آن لنا أن ننصت لفتافيت العظام ، نسمعها وهي تروي لنا كل شيء”.

نصيراتنا الشيوعيات إجتزن المستحيل وخضن معارك ضارية في مواجهة أعتى جيوش العالم شراسة وإمعانا بالإجرام عبر عشر سنوات تقريبا من النضال. وإذا لم يتحقق لكفاحهن النجاح التام ، فحَسبهن إنهن أنجزن ما عليهن من واجب وطني مشرف نفخر به.

قبل أيام شهدت مدينة أربيل انعقاد المؤتمر الحادي عشر لرابطة الأنصار الشيوعيين، تزامنا مع احتفالات حزبهم بالذكرى التسعين لتأسيسه. وكانت فرصة رائعة جمعت العشرات منهم، ممن توافدوا من مختلف بلدان العالم للمشاركة في المؤتمر والفوز بتكريم رمزي قدم لهم في حفل متواضع.

وقد حملت جدران قاعة المؤتمر شعارات عديدة، قرأت في احدها: “النصيرات الشيوعيات مفخرة نضال المرأة العراقية من أجل الحرية والمساواة” . شخصيا حظيت بلقاء البعض منهن على هامش حفل الافتتاح، وتعرفت على بعض من سفر نضالاتهن وقصصهن اللافتة.

 الطبيبة شرمين عبد الكريم (أم هندرين) قالت ردا على سؤالي عن تاريخ وكيفية التحاقها بالحركة الانصارية:

“في العام 1979 كنا أنا وزوجي ندرس في موسكو، وابنتنا “نادية” لم يتجاوز عمرها العامين. حينها سبقنا زوجي والتحق بصفوف الانصار - البيشمركة الشيوعيين في كردستان، تلبية لنداء من الحزب، وانتظرت انا ونادية مدة حتى تمكنا من اللحاق به.

هنا بدأت فصول قصة مغامرات درامية طويلة لا مجال لذكر تفاصيلها الآن.. ذهبنا الى سوريا وتوجهنا الى منطقة الجزيرة بدعوى أننا سوريتين. ثم عبرنا عبر طرق تهريب معقدة إلى تركيا، حيث سكنا عند عائلة ريفية، وهناك أصيبت ابنتي بالملاريا وواجهت الموت، لكنها نجت بأعجوبة من دون علاج ولا دواء كاف. بعدها ركبنا البغال وتوجهنا نحو اقليم كردستان العراقي.

 بعد سنوات من ذلك، في سنة 1987 عشنا احداث ووقائع الهجوم الكيمياوي الاجرامي لقوات النظام على مقر قاطع بهدنان لقوات الانصار، الذي ادى الى تسمم ما يفوق 220 من افراده المقاتلين بغاز الخردل (مات البعض منهم وما زال البعض الآخر يعاني حتى اليوم من ضعف البصر وتلف الرئة وضيق التنفس). ولم يكن بوسع المسعفين والمسعفات حينها سوى علاجهم بالماء البارد.

 وحين وجه صدام كل أسلحته نحونا بعد انتهاء الحرب مع ايران في العام 1988 جرى أسْر رفيقات لنا .. بالنسبة لي ولزوجي عبرنا على متن لوري نحو تركيا ثم الى إيران، وفيها مشيا على الإقدام طيلة أيام حتى الحدود مع اوزبكستان. وهناك قطعنا مسافات طويلة حتى توجهنا إلى موسكو.

 وفي النهاية انتقلنا لنستقر في السويد .. صغيرتنا نادية كبرت وتلقت تعليمها هناك، وهي حاليا محامية ناجحة متزوجة وعندها طفلان”.

هذا بتكثيف شديد ما حكته لي النصيرة الطبيبة شرمين عبد الكريم (ام هندرين) عن تجربة مشاركتها في حركة الانصار الشيوعيين خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي. وهي بالطبع واحدة من تجارب كثيرة للشيوعيات الباسلات، اللواتي اخترن الكفاح بالسلاح ضد الدكتاتورية الصدامية المبادة ضمن الحركة الانصارية. ولعلنا نتمكن مستقبلا من رصد وتقديم تجارب اخرى لرفيقات ام هندرين في الكفاح الانصاري المسلح.

عرض مقالات: