اخر الاخبار

حين تجلس مع نفسك وتراجع ما حدث ويحدث منذ ولادتك ولحد اللحظة التي أنت فيها الآن ، لتسترجع كلّ ما عانيته كفردٍ من مواطني هذا البلد ، والذي ينعكس على معاناة الناس جميعاً ، تأخذك سرحات وتهيم بحكاياتٍ لا أول لها ولا آخر !!

ذات صباح كنت جالساً مع والدتي، التي رحلت في ثمانينات القرن المنصرم، وكانت تحدّثنا عن آمال وأحلام أبي التي كان يستذكرها كل يوم ليرويها  لها، قبل أن يرحل دون تحقيق أي حلمٍ منها، بسبب رعونة من يمسك بزمام أمور هذا البلد وضياع الأخضر بسعر اليابس كما تقول، روت أمي حكاياتٍ كثيرة، منها أن أبي الذي اكتحلت عيناه بشعاع الشمس في أواخر العقد الأول من القرن العشرين وابتدأت منذ تلك اللحظة أحلامه ببيتٍ وعائلة وحياةٍ حرّة كريمة، في وطنٍ يكلّله الغار والحريّة وشعبٍ يرفل بالسعادة.

 بنى البيت وكوّن عائلة بعد اقترانه بها، حيث أنجبت له ثلاثة عصافير كان يزقّها حب الوطن والناس، ويؤكد على الحريّة في كل أحاديثه مع أفراخه الصغار، الذين ما أن كبروا حتى أخذتهم دوّامة الحياة في دورانها، ليجدوا أنفسهم يتامى بلا أب يحنو عليهم، بعدما رحل متأثّراً بأمراضٍ سبّبتها له عنجهية الحكّام وظلم الحكومات المتعاقبة في وطنه، يعيشون التشت والضياع في دائرة الحروب والتشريد والاعتقالات والسجون والخوف الملازم للنفوس التي دمّرتها سياط الجلّادين، وأكلت أعمارها سوسة الفساد والمحاصصة والطائفية والقرارات غير المدروسة،وظلم ذوي القربى !!

استذكرت حكايات أمي التي رحلت بعد أن أكل الخبيث أحشاءها، حاملةً  الضيم  والحسرة على ضياع كل ما حلمت به مع زوجها الراحل منذ سنين ، وأنا أشاهد وأقرأ وأسمع ما يدور في هذا البلد الذي ما تزال تنخر فيه سوسة الفساد، وكل يومٍ يجيء أكثر سوءاً من سابقه، وهكذا ضاع الخيط والعصفور فصرنا بين المطرقة والسندان ! وفي تساؤلٍ دائم :

هل كان لزاماً علينا العيش هكذا بين المطرقة والسندان دائماً ؟!

هل هو قدرنا نحن الذين ولدنا في هذا البلد وعلى هذه الرقعة من الارض؟!

هل كل ما يجري هو حكمة الهية ، أم شرخ في العقل والأخلاق والضمير الانساني؟!

منذ فجر السلالات وهذه الارض تفور من دمائنا ، والسبي يجر سبياً بمسميات عديدة !

ومنذ فجر النبوءات والعراق من حربٍ الى حرب (  افراد ،عوائل ،قبائل ،دويلات، شعوب ،طوائف ،اديان ،قوميات.......الخ)!!

ومنذ فجر التاريخ ولعنة الدم والتشريد تطاردنا لا لسبب سوى اننا عراقيون،،نُقْتَل ونُزَجّ في حروب لامعنى لها ونُعتقل ويُحكم علينا بالسجن ونُنفى قسراً او نُشرّد في بلادنا ونُذبح ونُحاصر بالخوف والجوع وتلعب بنا المحاصصة ( شاطي باطي ) ونعيش الحسرة والخوف والقلق ،ويصيبنا مرض الإيجار المزمن او نسكن العشوائيات ..الخ.

ما الحكمة في كل هذا؟! وأي اله او نبي او..او.. يقبل بكل ما حدث ويحدث؟!

ولماذا نقضي اعمارنا فوق هذه الأرض بين المطرقة والسندان ؟!

عرض مقالات: