تاريخيا يعتبر العراق مخزنا للحبوب الأصيلة، وقد زرعها فلاحونا عبر العصور موفرين حاجاتنا الغذائية.
،لكن على مدى القرن الماضي وحتى اليوم تعاني أرضنا ومحاصيلنا الزراعية من سوء الإدارة متأثرة بواقع الحروب والصراعات. ففي عام 2003 مثلا قصف الجيش الأمريكي بنك البذور الوطني في أبو غريب، الذي ضم 1400 نوع من البذور المحلية الأصيلة، ما أدى إلى اختفاء بعض من تلك الأصناف نهائيا، ومهَّد الطريق للشركات متعددة الجنسيات لبيعنا البذور الهجينة. فضلا عن العوامل الأخرى من تغير المناخ ، وإساءة استخدام الموارد ، والسموم المنبعثة من حقول النفط ، كذلك المبيدات الحشرية ، وتأثير السدود المبنية عند منابع الأنهار ، الأمر الذي حول بلدنا من زراعي خصب وغني إلى مستورد لطعامه.
تناولت هذا الموضوع الخطير محاضرة قُدمت أخيرا في " بيتنا الثقافي" بعنوان " السيادة الغذائية واستقلالية الفلاحين - رؤية طبقية " بالتعاون مع منظمة روزا لوكسمبورغ وشبكة كوئز ونخل لدعم السيادة الغذائية. وقد أدارت الجلسة السيدة أنصار جاسم وبمشاركة أحمد قصير و د. محمد ياسين وحيدر زامل، و عرض خلالها فيلمان وثائقيان، كما افتتح معرض تشكيلي للوحات رواية مصورة بعنوان " قصص الزراعة والمقاومة من كردستان والعراق".
وتتعلق السيطرة على الغذاء بملكية الأرض وبنوعية البذور المستخدمة في زراعتها، وحرصا على الحفاظ على بذور أرضنا الأصيلة يسعى الشباب من المنظمتين للعمل في الأرياف على جمع التاريخ الشفهي المتعلق بإنتاج تلك البذور، بهدف تحقيق وتأمين العيش المشترك. فالبذور هي أساس الحياة برأيهم وكل احتياجاتنا الأخرى بلا معنى إذا لا نتمكن من إطعام أنفسنا.
تقول السيدة أنصار :" يعتبر الغذاء في العالم الرأسمالي سلعة تجارية بحتة ، في حين هو حق إنساني له أبعاد ثقافية لا تخص الفلاحين وحدهم، بل تخصنا جميعا .. ولطالما استخدم الغذاء كسلاح في تاريخ العراق، كما حدث في كردستان عند حرق الحقول وتهجير القرى، كذلك في الجنوب عند تجفيف الأهوار .. ".
بعد الاحتلال ونتيجة للتغيرات المناخية ( يعتبر العراق خامس دولة متأثرة بالتغيرات المناخية) ، فقدنا للأسف أغلب بذورنا الأصلية وخصوصا في مناطق النزاع، بعدما ترك الفلاحون أراضيهم بسبب الوضع الأمني، إلى جانب الجفاف الماحق الذي لحق بالأرض، الأمر الذي أدى الى جعل مساحات شاسعة من الأراضي غير صالحة للزراعة، بل وأصبحت مستعمرات للحشرات وللنباتات الضارة . لذا سعت منظمة كوئز ونخل التي تأسست عام 2021 بالتعاون مع منظمة روزا لوكسمبورغ ومؤسسة " بذورنا جذورنا" اللبنانية ، لدعم أي سلوك عراقي يعزز السيادة الغذائية الوطنية، وإعادة وسائل الإنتاج بأيدي المنتجين المحليين. وهذا إلى جانب سعيها للتعاون مع المنظمات الزراعية لتشكيل سياسة مناهضة للشركات الأجنبية، الضاغطة لتسويق بذورها المهجنة إلينا، وإبعاد امكانية استخدام الغذاء سلاحا ضدنا.