قالوا: "تستطيع أن ترسم زهرة، ولا تستطيع رسم العطر".
استعير هذه الحكمة للتنويه بمن عمل واجتهد لخدمة الناس وإبعاد شرور الغم والغضب والإمراض عنهم، واقصد هنا فئة الأطباء بنحو خاص. فكم تعبوا وسهروا الليالي، واجتهدوا للتزود بمعلومات تعينهم على إشفاء المرضى، وإدامة صحتهم وعافيتهم، وإسعادهم وتأهيلهم لمواجهة مطبّات الحياة .. لكن وللأسف بتنا نشهد اليوم حالات إهمال وابتزاز وجشع شنيع من قبل البعض منهم.
فعلى الرغم من تمتعهم بخبرات علمية وعملية متميزة، تجتذب مرضاهم فتكتظ بهم عياداتهم الخاصة، لكنهم لا يتوانون عن طلب المزيد والمزيد من الأموال، غير مبالين بالحاجة الماسة إليهم من قبل العديد من الفقراء أو من ذوي الدخل المحدود، موظفين أو متقاعدين، عاجزين عن تسديد النفقات الباهظة لمعايناتهم، فضلا عن تحايل البعض الآخر منهم واتفاقهم مع عيادات وصيدليات معينة، يحيلون اليها مرضاهم لابتزاز مبالغ طائلة منهم.
مع هؤلاء وللأسف تحولت مهنة الطب النبيلة " ذات العطر الأخاذ" إلى تجارة جشعة، تفرغ الجيوب بدلا من تقديم أفضل الخدمات للمرضى.. فضلا عما نشاهده اليوم مما يسمى "عمليات تجميل" هي أقرب إلى عمليات تشويه الوجوه والأجساد، جراء استخدام الفلر وحقن البوتكس المبالغ به، الى جانب عمليات التنحيف ونحت الأجسام وغيرها، بدواعي تجارية بحتة لا تتطلبها ضرورة صحية أو جمالية..
ومع كل هذا السوء وشيوع سمات البشاعة، تلمع نقاط ضوء أمل هنا وهناك من قبل أشخاص لهم " عطرهم" الخاص، ينثرونه في عمل الخير ورسم الابتسامة على وجوه من يحتاجون..
فهاهي مثلا مجموعة من أطباء الموصل يبذلون أقصى طاقاتهم لتقديم الخير في خدمات طبية لا تحصى، منهم من يواصل علاجه للأطفال حديثي الولادة مجانا منذ أربع سنوات وحتى اليوم، وكان قد بدأ خطوته الأولى باستقبال خمس مرضى يوميا ، ليزداد العدد حاضرا إلى نحو 42 مريضا يوميا..
وطبيب آخر متخصص بعلاج الكلى والمسالك البولية، يعالج مرضاه طيلة أيام الأسبوع عدا يومي الجمعة والسبت مجانا أيضا، كما يجري عمليات تنظير للكلية وتفتيت الحصى بمعدل 20-25 عملية يوميا.. وطبيب آخر لا تزيد أجرة معاينته عن أربعة آلاف دينار فقط وطيلة أيام الأسبوع.
أما في محافظة واسط فقد سعت مجموعة من الميسورين لتنظيم حملة "يد الخير"، وفّروا بفضلها منزلا مؤثثا يقدم خدمات الطعام والشراب مجانا لمرضى السرطان ولعوائلهم، ممن يأتون من المحافظات الأخرى للمراجعة والعلاج وتناول جرعات "الكيمياوي" في مركز علاج السرطان المتخصص، الذي انشأ حديثا في المدينة .
هؤلاء الخيّرون جميعا مثلهم مثل أشجار زيتون مثمرة، لا تنمو سريعا لكن جذورها قوية مغروسة في أرض الوطن، وذكراهم تبقى خالدة في أذهان الناس.