إذا أردت أن تبني مجتمعاً تسوده المحبّة والجمال والتآلف في كل شيء ، عليك أن تبدأ بالطفل اولا وبناء أسرتك بناءً سليماً ثانياً ، وكما قالوا التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ، لأن تعنيف الطفل وخلق المشاكل داخل الأسرة يؤدي إلى حالات التمرّد والتفكك وبالتالي أسرة متحلّلة لا يربطها رابطٍ ما !!
في النصف الثاني من سبعينات القرن المنصرم في قريتنا الجنوبية الغافية عند تخوم البحر وذات ساعة ظهرية قائظة صحا الناس مرعوبين من صرخات استغاثة تخرج من أحد بيوت القرية مستنجدة بمنقذ ما، وما أن هبّ الناس مفزوعين إلى مصدر الصوت حتى وجدوا امرأة جالسة منفوشة الشعر تحثوا التراب على رأسها وأمامها جثتا طفلين بعمر الورود تسبحان بدمائهما ، فقد أقدم أبوهما بعد احتدام المشاكل بينه وبين زوجته إلى قتل طفليهما الجميلين ( ولد وبنت ). وقد حدثت وما تزال تحدث أمور كثيرة على هذه الشاكلة، ولم يكن آخرها مقتل الطفل موسى على يدي زوجة أبيه المجرمة، التي لم يكن الحكم عليها قصاصاً عادلاً للأسف الكبير !!
هذه المشاكل وهذا التعنيف الأسري الذي يرتكبه الزوج الثاني تجاه أطفال زوجته من زوجها الأول مثلاً، كذلك زوجة الأب تجاه أطفال زوجها من امرأته الاولى، وغيرها من أفعال التعنيف التي يقوم بها الآباء أو الأمهات والتي تصل إلى حد التصفية الجسدية أو الإعاقة أو انحراف الطفل بعد هروبه من البيت تخلّصاً من العذاب، كلّها تحتاج إلى صحوة ضمير نابض بالإنسانية الحقيقية، ووقفة كبيرة من أجل االمصادقة على قانون التعنيف أو العنف الأسري، وإيقاف هذه الأفعال التي يندى لها جبين الإنسانية الحقيقية في كل مكان!
فللتعنيف سلبية خطيرة على الطفل والعائلة والمجتمع بشكل عام، وبالتالي خلق جيل أو أجيال منحرفة تسعى إلى التهديم والخراب وانتشار الجريمة والفساد والفوضى !!
ومَنْ لا يقف مع هذا القانون أو يسعى إلى تقويضه أو تأخيره وصولا إلى التهميش والنسيان، يعتبر جزءاً رئيسياً ومشاركاً أساسيا في خراب مجتمعنا وإشاعة روح الفوضى والفساد ليظل البلد في دوّامة من الصراعات والأزمات التي لن تنتهي أبدا !!
قانون العنف الأسري وتشريعه بالشكل الصحيح والأمثل ركن أساسي في بناء المجتمع والبلد بشكل عام، لأنه الحجر الأساس في بناء عوائل وأسر مترابطة روحياً، تشيع بينهم الألفة والمحبّة والعمل الجاد المخلص لبناء مجتمع يسوده العدل والأمان والجمال والسعادة والرقي.
لهذا ومن اجل بناء وطننا بناءً حقيقياً يسمو نحو التقدّم والازدهار والعمران وتسوده النزاهة والعدالة والأمان والاستقرار، وقبل كل شيء تشدّه آصرة المحبّة والتواصل الرحمي والأسري والإنساني، علينا أن نسعى جادّين وبكل انتمائنا الحقيقي للوطن والناس إلى الإسراع في التصويت على هذا القانون، لنردع عقولاً تحجّرت ، بل تكلّس فيها القيح وصارت تنزّ عفناً مقيتاً من خلال ارتكابها أعمالاً وأفعالاً يندى لها الجبين، بحق الطفولة وما شاكلها من النساء والرجال على حدٍّ سواء.
الأسرة وما فيها هي أساس المجتمع وبالتالي هي الأساس الحقيقي للوطن، ورعايتها بالشكل الأمثل والأفضل والأصلح تنتج أجيالاً صالحة، ووطناً مستقرّاً مزدهياً بأبنائه الطيبين !!