الجودة لا تأتي بالصدفة أبدا - على حد تعبير وليامز فوستر، السياسي العمالي والأمين العام للحزب الشيوعي الأمريكي في سنوات 1945-1957، الذي اوضح أنها (الجودة) نتاج نوايا حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، وإخراج متمرس، وهي تمثل الاختيار الحكيم من بدائل متعددة .
في ندوة "بيتنا الثقافي" الأخيرة تناول الصحفي المعروف عبد المنعم الأعسم، صاحب الخمسين عاما من العمل الصحفي والسياسي، معظم خصال صحافتنا الوطنية، بمحاضرة قيمة حملت عنوان "المسكوت عنه في الصحافة الحكومية والأهلية".
بيّن الأعسم ثلاث مرجعيات لها علاقة بالأداء الصحفي عندنا: شبكة الإعلام العراقي، وهيئة الإعلام والاتصالات، ونقابة الصحفيين.
بعد 2003 ووفق أمر بتوقيع بريمر تأسست شبكة الاعلام العراقي، وهيئة الإعلام والاتصالات، مع أكثر من عشرين هيئة مستقلة أخرى، تختار اداراتها بعيدا عن المؤسسات الحكومية وأحزابها، واعتمادا على الكفاءة وتعدد الثقافات والمكونات في المجتمع .
واستعرض المحاضر بتفصيلات وافية عمل كل من هذه المرجعيات ومسيرتها المهنية وقياداتها عبر سنوات.
والحقيقة انه يُفترض الا توصف الصحف الرسمية بالحكومية. فهي صحف الدولة ككل، ولا يصح أن تختص بجانب حكومي معين. لكن الذي حدث هو عكس ذلك تماما. فبعد استيلاء الحكومة عليها وفق مبدأ المحاصصة الحزبية ودون الرجوع للبرلمان، ومع مرور الوقت، أصبحت الحكومة تتحكم بالمادة الصحفية، وتسجل مخالفات ضد من يخالفها ويساعد على تنمية حرية التعبير، حتى تحولت إلى "سوط" يلاحق الجميع.
تتسم صحافتنا اليوم حسب الأعسم بالحذر والتردد، فهي بلا خبر شاف ولا موقف محدد، لها في العموم صبغة ثقافية ومن دون بصمة سياسية، سائرة إلى جانب بيت الحكومة.
وتنقص صحافتنا المحلية للأسف المهنية العالية، نظرا لما لحق العراق من حصار وحروب وتخلف عن مواكبة مستجدات وتقنيات الصحافة العالمية من جهة، وعدم اعتماد الآراء المتنوعة المختلفة إزاء الموضوعات المتباينة، كما هو معتمد لدى الصحافة العالمية، التي تحترم تنوع الآراء وتعرضها بأمانة، ثم تقدم وجهة نظرها. وهذا ما تفتقده صحافتنا المحلية، الأمر الذي حرمها من ان تكون مصدر أخبار للعالم، إذ لا تأخذ عنها الصحف في الخارج ولا مؤسسات البحوث.
وبالحديث عن الصحافة الحزبية أعتبر الأعسم "طريق الشعب" سيدة الصحافة، مشيرا الى كونها اعرق صحيفة في العراق، ويتضمن أرشيفها العامر كل وجهات النظر وبآراء مضيئة لمفكرين من الأسماء اللامعة في الصحافة العراقية، بل هي مدرسة حتى الآن رغم ظروفها، وتعكس وجهات نظر الناس ومعاناتهم، لكن ينقصها في الوقت نفسه – حسب الاعسم - البناء المهني الجيد الذي يماشي الصحافة في عصر مفتوح. والمطلوب من أصحاب الكفاءات تقديم تصورات ومبادرات من شأنها تطوير العمل ككل، فرغم كوننا صحافة حزبية يمكننا تناول اخطر الموضوعات بمهارة مهنية عالية .