اخر الاخبار

 كلّ مسؤول، وسياسيّ، وحاكم، يجلس على الكرسي ذات يوم، يصف البصرة بأنها السلّة الغذائية والثقافية لهذا البلد، ويصفها بأجمل وأحسن الصفات، ولكن منذ تمصيرها عام 16 هجرية وليوم الناس هذا لم تُنصف أبداً، إنها منجم لكل ثروات العراق من النفط والزراعة والصناعة والأسماك وغيرها، والسلّة الغذائية التي تُطعم العراق من أقصاه إلى أقصاه!

هناك أمثال قديمة وحديثة تنطبق عليها تماماً، مثل (البصرة مثل سمك الصبور مأكول مذموم) و (إنها مثل البعير تحمل ذهباً وتأكل عاقولاً).

هذه المدينة التي تعتبر بوّابة العراق منذ الأزل كونها ميناءً بحرياً، حيث الشط والخليج وملتقى دجلة والفرات، منها انطلقت السفن صوب بحار العالم وما تزال، وموانؤها استقبلت وما تزال العشرات من السفن يومياً من كل بقاع الأرض!

تحدّها ثلاث دول إقليمية (إيران، السعودية، الكويت)، هي مدينة الطيبة والتسامح والمحبة ونكران الذات والحنان والتآلف، منها انطلقت الأفكار والرؤى، فالمعتزلة والمرجئة وأخوان الصفا وغيرهم، بالإضافة إلى ظواهر التجديد في النحو واللغة والشعر والقصة والفلسفة والموسيقى والرياضةً، إليها كانت وما تزال ترنو الأفئدة والأنظار بمحبة كبيرة وتقدير عالٍ!

هذه المدينة التي تحمل كل الصفات التي ذكرناها وغيرها الكثير، لم ينصفها حاكم من الأولين والآخرين في كل زمان، حيث الإهمال والحروب والبؤس دائما!

ولا يمكن أن ننسَ المثل القائل: بعد خراب البصرة!

تساؤل يسكن الجميع: لماذا هذا التجاهل والإهمال والتهميش والإقصاء والمحاربة ؟!

أهذا هو ردُّ الدَين لها ؟! أهذا هو التقدير؟! وحتى إذا كانت هناك محاولة للنهوض ذات يوم، فانها تقمع بشتى الوسائل لماذا؟!

البصرة التي قيل فيها ذات يوم ( العراق عين الدنيا والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة ) تحارب اليوم مثلما في الأمس بمربدها ، ذلك العرس الذي ينتظره البصريون في كل عام ليقيموا سرادق الشعر والنقد والمسرح والتشكيل والفوتوغراف والموسيقى والغناء على أرضها ، ويعيدوا ظاهرة المربد الشعري الذي كان يؤمه الشعراء العرب من كل حدب وصوب منذ تأسيسه في بدايات العصر الإسلامي الأول وحتى قرون متأخرة ، ثم يعاد في سبعينات القرن الماضي وحتى ثمانيناته قبل أن يُسرق عنوة منها ليتحول إلى مهرجان للردح والتطبيل والدعاية الحربية للنظام الفاشي ، لكن بعد سقوط الفاشية أعاده البصريون لحضن أمه الرؤوم !

قبل يومين وقفنا كمثقفين من شتى الصنوف في شارع الفراهيدي لنقول للجميع: تأملوا البصرة بعين المُحبِّ والغيور والمنتمي للناس والوطن بشكل حقيقي، ولنشدّ أيادينا مع بعض كي نبدأ بتعميرها من جميع الجوانب (اجتماعيا واقتصاديا وعمرانيا وثقافيا وغيرها) لأنها كانت وستبقى سلّة الوطن الغذائية دائماً!

 

عرض مقالات: