قبل أكثر من ثلاثين سنة كتبتُ قصيدةً عنوانها (وردية أحلامنا والمؤجّلات كثار)، كانت جل أحلامنا مؤجّلة لحين شروق شمس الحرية على وطننا. وحينما أشرقت ظلّت أحلامنا على حالها ، كنا نمنّي النفس بحياة أفضل وأجمل، أهمّها التخلص من كل مخلفات الماضي وتراكماته الثقيلة، والأهم البحث عن سكن لائق وخدمات وبُنى تحتية ومشاريع تنقلنا ومدننا إلى مصاف الشعوب والمدن المتقدّمة والمتطوّرة. ومنذ أول دورة انتخابية سمعنا بمشاريع كثيرة وخدمات أكثر لكننا لم نر شيئاً، وعود هوائية فارغة وكلام معسول، كل الذي رأيناه تراكم الخراب وازدياد نسبة الفساد والغش والفقر ونزيف الدم، مشاريع كثيرة سجلتها موازنات الأعوام التي تلت 2003 لكن لم يتحقق منها سوى النزر اليسير، وكل مشروع يبدأ العمل فيه نستبشر خيراً ونمنّي النفس بالفرح والسعادة، إلاّ إنه يتوقف وتترك الشركة المقاولة العمل في منتصف الطريق. فقط كَثُرَت المولات التي لهم، وجسور مشاة بلا سلالم وكأنها تقول اصعدوا واهبطوا بمنطاد. حدائق مات الزرع فيها وتحولت إلى ساحات جرداء، وعود بقطع أرض لم نبصر منها سوى المعاملات التي تتكدس، ثم ترمى في سلّة المهملات. أما كان الأجدر متابعة ومراقبة كل الأعمال ومحاسبة المقصرين والفاسدين فيها؟!
خدمات المجاري ومياه الأمطار لم تكتمل أيضاً وعند أول مطرة نغرق، وماء الإسالة ظل على حاله مالحا وتزداد ملوحته كل صيف ، الكهرباء ومشاكلها الما تخلص ابدا، مشاريع تبليط وإكساء الشوارع الفرعية والرئيسية للمناطق والأحياء السكنية يتوقف العمل فيها بين آونة وأخرى وكلّما يجيء الشتاء وينزل المطر تتحول إلى برك ومستنقعات!
إذا تساءلنا :ـ ما الذي حقّقتموه خلال ربع قرن غير ارتفاع نسبة الفساد وتفشي المحاصصة المقيتة والطائفية وانتشار المخدّرات والجريمة للأسف!
لماذا لم تكن هناك متابعة ورقابة يومية لمعرفة أين الخلل ومعالجته، والخلل معروف عند الجميع؟!
وعلى هذين التساؤلين يقف سؤال واحد ومهم جداً ،المشاريع ضمن موازنة سنة كذا وكذا، وطبعا تم صرفها وفق ما يعرفه الناس جميعا من خلال التصريحات واللقاءات وغيرها، لكن أين ذهبت والمشروع لم يكتمل بعد؟!
لا أحد يعرف إلاّ الراسخون في .....، وتبقى عبارة (رحم الله امرءاً عمل عملا فأتقنه) تتردد في أذهاننا ونحن نسترجع بعض أحلامنا التي لم تتحقق، ونظل ننظر إليها بعيون يملأها التساؤل والغرابة، وقلوب تتحسّر على أحلام ستظل مؤجلة إلى حين ميسرة!
لهذا علينا أن نضع كل هذا نصب أعيننا في كل مرّة ونحن نمضي إلى صناديق الاقتراع كي لا نقع في الخطأ نفسه الذي وقعنا فيه كثيراً، ونعضّ أصابعنا ندماً بعد ذلك!
علينا أن نفكّر جيداً قبل أي انتخابات وأن ننتخب من سيبدأ بالعمل ويتقنه حقاً، ذلك المعجون بطين الوطن والمغمّس بماء (دهلته)، لا الذي يفكّر بمصلحته الشخصية أولاً والحزبية والفئوية ثانياً، ويتنصّل من وعوده وعهوده التي قطعها على نفسه ذات يوم حال جلوسه على الكرسي!
ومع ذلك ستبقى أحلامنا مؤجلة لحين انتخابنا شخصاً ينتمي بشكل حقيقي للناس والوطن.