اخر الاخبار

من حقنا تسمية الفترة الممتدة من أوائل السبعينات حتى اواخرها بالعصر الذهبي للمسرح العراقي، نظرا للاستقرار النسبي في البلاد، الذي أتاح النمو للثقافة وللمعرفة في مجالات كثيرة.

على الصعيد المسرحي لمع نجم فرقة المسرح الفني الحديث بعروضها الخالدة التي ما زالت تتربع في ذاكرتنا، لما لها من ألق فكري وأهداف اجتماعية قُدمت بصيغ جاذبة للجمهور، ليس البغدادي حسب. فقد حدث، ربما للمرة الأولى، أن كانت العائلات والمنظمات المهنية تنظم رحلات إلى بغداد من المحافظات، لمشاهدة عروض الفرقة ثم العودة في الليلة نفسها وإن تأخرت ساعات العروض حتى منتصف الليل ..

و تعددت الفرق المسرحية الأخرى كالمسرح العمالي، والمسرح الفلاحي، ومسرح الطفل، ومسرح الشارع ، فضلا عن تعدد صالات العرض وبضمنها مسرح الستين كرسي، ومسرحا كلية ومعهد الفنون الجميلة وغيرها.. مثلما تعددت أساليب العرض نفسها، من الشعبي إلى التجريبي الوجودي العبثي، الى الملحمي الخ .. فضلا عن بروز ممثلين ومخرجين ومنتجين كبار.

وللأسف لم تحتفظ الذاكرة العراقية بما يليق بانجاز هؤلاء الفنانين، بل لم تسجل اغلب عروضهم، وحتى توثيقها كان متواضعا مقتصرا على جهود فردية، مثل جهود الراحل أحمد فياض المفرجي، والدكتورعلي الزبيدي ، والأستاذ عبد العليم البنا.

وأخيرا .. شهدت قاعة الجواهري في اتحاد الأدباء والكتاب ببغداد يوم الجمعة الماضي حدثا مميزا لأمسية فريدة، نظمتها الجمعية العراقية لدعم الثقافة، تناولت كتاب ( المفكرة المسرحية في "طريق الشعب") للباحث الدكتور على الربيعي، بحضور لافت من جمهور المسرحيين المعنيين وعامة المثقفين.

استعرض مدير الجلسة الدكتور معتز عناد غزوان الجهد الكبير لمعدّ الكتاب التوثيقي الضخم، المكوّن من 1800 صفحة من القطع الكبير، وكيف قام باعداده بصمت ودون تكليف او علم من أحد او من جهة، معرجا على محتويات الكتاب بأجزائه الأربعة التي ضمت كل ما نشر من مقالات وحوارات ونقود وأخبار وتقارير تخص المسرح العراقي على صفحات جريدة "طريق الشعب" في سنوات 1973-1979، وهي الفترة الذهبية بحق للمسرح العراقي.

وتحدث الفنان حكمت داود عن أثر المسرح العراقي في تلك الفترة عربيا، وعن عروضه التي قدمت على مسارح اليمن ودمشق والقاهرة، مستذكرا أسماء فنانيه الخالدين أمثال زينب وناهدة الرماح وخليل شوقي وقاسم محمد وغيرهم.

وعدَّ الأستاذ مفيد الجزائري رئيس الجمعية الكتاب مكسبا مهما للمسرح العراقي وللمكتبة العراقية، يرفد الباحثين بمعطيات قيمة لم تكن معروفة من قبل، فضلا عن كونه مؤشرا مهما لمستوى الحياة الثقافية في السبعينات.

شخصيا نوهت بأهمية الكتاب، لكونه قد يشكل حافزا مشجعا لباقي الباحثين في مجال المسرح، وما نشرنه عنه الصحف والمجلات الاخرى.. وقدمت بانبهار بعضا من كتب الدكتور الربيعي الاخرى، وشبهته بالمنَّقب الآثاري الصامت الذي لا أحد يعرف عنه شيئا، بينما هو ينقل لنا كنوز حضارتنا وثقافتنا. فقد تناول في كتبه التي زادت على أربعين كتابا، العجيب المندثر في الذاكرة العراقية، مثل المسرح العراقي في الحلة بجزئين، والمسرح الكردي، ومسرح المسيحيين، وإسهامات يهود العراق في المسرح، وكتبا تناولت عروض الفرق المسرحية المصرية القديمة في العراق مثل فرقة جورج أبيض، وفرقة يوسف وهبي، وفرقة فاطمة رشدي، وهي كتب طبعتها الهيئة العربية للمسرح، كذلك كتاب عن المسرحيات المفقودة.

وتساءلتُ: ترى كيف وجدتها يا دكتور علي الربيعي؟!

عرض مقالات: