اخر الاخبار

لكل منا ذكريات عالقة بذهنه في ما يخص أيام صيام الشهر الفضيل ، بدءا من طفولتنا حتى اليوم ، وإن سمح لي القارئ سأدرج بعضا منها وإن كانت شخصية، لكني أجدها حميمية صادقة تمس الآخرين بقدر معايشتي لها.

في سنوات الطفولة الأولى تأخذنا الرغبة في تقليد الكبار ومسايرة الأجواء الرمضانية باذخة السخاء، بالنسبة لبيتنا على الأخص، حين حرص الوالد على شراء الجديد وتغيير الكثير من أثاث البيت، فضلا عن حرصه على جلب صواني الزلابيه والبقلاوة، كذلك إعجابنا بطقوسه الرمضانية الغريبة، منها اعتزاله ونومه في صالة الاستقبال ليتفرغ للعبادة وللقراءة، وكان سهمنا منها قراءته لنا القصص الدينية الجميلة، من كتب جورج جرداق وجورج زيدان.

حرصنا نحن الصغار على الصوم رغم معرفتنا بعدم قدرتنا عليه، فما كان من أهلنا سوى اللجوء لحيلة " صوم الدرجات" والتي تقضي بصيام متقطع حتى منتصف النهار. بعدها جاء إصرارنا على افتراش سلالم البيت ليتشابه الوضع مع صوم الدرجات!

في المراهقة وقبل البلوغ بقليل تمكنتُ من صيام شهر كامل، الأمر الذي دعا والدي لإهدائي مدالية هي عبارة عن سلة ذهبية محملة باللؤلؤ ، باعتبار أن ثواب صيام ذلك الشهر سيعود له بدلا مني نظرا لصغر سني.

في السنوات التالية تقطع صيامي حتى تركته، لكن الطقس الرمضاني ما زال ساريا لدي ، إذ ما زلت اسعي لجلب الجديد للبيت حتى ولو اقتصر على قطعة أثاث بسيطة، أو حاجة للمطبخ، وإعداد الطعام للصائمين من أهلي وأصدقائي. ولعل الذكرى الماثلة بذهني هي توجيه دعوة لجميع زملائي وزميلاتي مع عوائلهم، وهم من الذين عملت معهم في أول عام من عملي الصحفي في أبوظبي، دعوتهم في أول جمعة من شهر رمضان. حينها كان راتبي شحيحا يكفي لسداد الإيجار وإرسال جزئه الأكبر للعراق، والباقي لتدبير المعيشة، حتى الأثاث لم أتمكن من شرائه كاملا فاضطررت لوضع اللحفان والشراشف لجلوسهم على الأرض، ومد ورق الجرائد للسفرة.

عمدت في تلك المأدبة على تحضير كل معرفتي بأطباق الأكلات العراقية والتي زاد عددها على الثلاثين نوعا، ما أثار دهشة ضيوفي وسؤالهم عن كيفية تعلم طبخها، وكان جوابي عليكم المجيء اليَّ لمدة ثلاثين يوما كي تتعلموا كل يوم طبخة.. وعدا هذا أكملنا سهرة ذلك اليوم البهيج بتعليمهم لعبة المحبيس وترديد الأغاني العراقية المرافقة للعبة.

اليوم نعيش الطقس الرمضاني بما نتمكن من صيام إن استطعنا، مع الحرص على متابعة المسلسلات الرمضانية التلفزيونية التي يحتار المرء في اختيار الأفضل منها، لكني أركز هنا على ضرورة متابعة مسلسل (قطار الموت ) الذي يصور بشاعة الظلم والاستبداد الذي تعرض له رفاقنا في أيام انقلاب 8 شباط 1963السوداء.

وملاحظة لابد من تسجيلها هنا، تتعلق بشحة المظاهر الاحتفالية بالشهر الفضيل في شوارعنا، بعكس المظاهر الاحتفالية المتعلقة بالطقوس الدينية الأخرى، فلا زينة ولا نشرات ضوئية، ولا تعليق فوانيس كما في الاحتفالات.

عرض مقالات: