تُعد قضية الطبقة العاملة محور الفكر الماركسي، الذي تزامنت ولادته - على يد كارل ماركس وفريدريك إنجلز - مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي أحدثتها الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، وكتحليل نقدي علمي للنظام الرأسمالي. وجد ماركس بأن التاريخ هو سلسلة من الصراعات بين الطبقات المختلفة بسبب المصالح الاقتصادية المتضاربة، وصولًا إلى النظام الرأسمالي، الذي تتصارع فيه الطبقة البرجوازية التي تمتلك وسائل الإنتاج وتتحكم بالمنتوج مع البروليتاريا (الطبقة العاملة) التي لا تمتلك شيئًا فتضطر لبيع قوة عملها. واكتشف ماركس بأن العمال وهم ينتجون البضائع يخلقون قيمة إضافية للمواد الأولية، سماها فائض القيمة، الذي يستولي عليها الرأسمالي في أبشع صورة للاستغلال مما يُطلق الصراع الطبقي الذي يُعد المحرك الرئيسي للتطور التاريخي. ودعا ماركس العمال لتنظيم صفوفهم في نقابات وجمعيات وشن النضال المطلبي لانتزاع حقوقهم في أجور عادلة وساعات عمل محددة وإجازات مدفوعة الأجر ورعاية صحية وخدمات تعليمية وفرص متكافئة لإشباع الحاجات المادية والروحية لهم ولعوائلهم، مؤكدًا على أن هذا النضال المطلبي لا يغني عن النضال السياسي لإسقاط الرأسمالية وبناء مجتمع العدالة والحرية، المجتمع الاشتراكي. وفي العراق، تتجسد هذه المفاهيم أمامنا بوضوح حين ننظر إلى أوضاع العمال، فعلى الرغم من الثروة النفطية الهائلة التي تمتلكها البلاد، تعاني الشغيلة من مستويات بطالة مرتفعة ومن الفقر، فيما يسود قلق شديد بين العاملين جراء الخشية من خصخصة القطاع العام مما سيعرضهم للاستغلال على يد الرأسمالية، وخاصة الأجنبية، أو يحولهم، بسبب فقدانهم لفرص العمل، إلى أجراء شبه معدمين لدى البرجوازية الطفيلية التي باتت تتحكم بالبلاد. لقد لعبت الحركات العمالية والنقابات العراقية، التي تأسست منذ عشرينيات القرن الماضي، دورًا مهمًا في الدفاع عن حقوق العمال وتحقيق بعض المكاسب، إلا أن هذا الدور تقلص بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة نتيجة ضعف التنظيم النقابي وتغييب وعي العمال عبر تزايد النفوذ السياسي والاقتصادي للبرجوازية، وخاصة البيروقراطية والطفيلية. ويتطلب هذا التراجع المزيد من الكفاح ضد التفاوت الطبقي الصارخ، حيث تستحوذ فئة صغيرة على الثروات بينما تعاني الأغلبية من ظروف اقتصادية صعبة، ومن أجل تنظيم العمال وتوعيتهم بظروفهم الطبقية، وتعبئتهم للمطالبة بحقوقهم ومواجهة الفساد والاستغلال.
وما يبشر بتنامي الإدراك بأهمية هذه المهام، التطور الذي يعيشه الحراك الاحتجاجي المطلبي والسياسي وفي مختلف القطاعات. ووفق المنظور الماركسي، فإن هذا النمو هو تراكم كمي سيفضي بالضرورة لوعي طبقي أكبر، لتنظيم نقابي أقوى، لتنسيق أوسع بين العمال. كما سيساعد هذا التغيير على إعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وقيام عراق قوي ومزدهر. ويبقى الفكر الماركسي مرجعًا مهمًا لفهم التحديات التي تواجه الطبقة العاملة ومرشدًا لبناء حركة عمالية قوية قادرة على تحقيق التغيير المطلوب وحل مشاكل العراق الاقتصادية والاجتماعية.